للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الثالثة: المشيئة]

المرتبة الثالثة: هي مرتبة المشيئة والإرادة، يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:٦]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج:١٤]، وإثبات إرادة الله سبحانه وتعالى في النصوص كثيرة جداً، وأهل السنة والجماعة يثبتون أن الله سبحانه وتعالى مريد بإرادة شاملة عامة لا يحدها حد.

وأما المعتزلة فإنهم يقولون: إن إرادة الله سبحانه وتعالى إنما تكون في الخير فقط، وأما الشر فإن الله لا يريده، والسبب في ضلال المعتزلة في هذه المسألة: هو أنهم لم يفرقوا بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، فإن الإرادة الكونية هي ما أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون في خلقه، ولا يمكن أن يحصل شيء في مخلوقات الله عز وجل وهو لم يرده، فهي موافقة لصفة الخلق، فكل شيء خلقه الله عز وجل فقد أراده قبل أن يخلقه.

وأما الإرادة الثانية فهي الإرادة الشرعية، والإرادة الشرعية المقصود بها: ما أمر الله سبحانه وتعالى به العباد وأوجبه عليهم وما أراده الله عز وجل منهم، بمعنى: أحب أن يفعلوه، فلما لم يفرق المعتزلة بين هذين ظنوا أن الإرادة لابد أن تكون محبوبة لله عز وجل، فلما ظنوا هذا الظن قالوا: كيف إذاً يريد الكفر مع أنه سبحانه وتعالى يقول: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]؟ فلا يمكن أن يحصل منه أنه يريد الكفر وهو في نفس الوقت يكرهه، ولهذا يتساءلون بتساؤل مشهور وهو: كيف يريد الله تعالى أمراً ولا يرضاه ولا يحبه؟ وكيف يريده ثم يبغضه؟ يقولون: كيف يريد الله عز وجل شيئاً من الأشياء، ثم يبغض هذا الشيء؟ وكيف يريد الله عز وجل أمراً من الأمور ثم ينهى عنه وهو مريده؟ فلم يتصوروا أن المراد نوعان: نوع مراد لذاته، وهذه هي الإرادة الشرعية التي أرادها الله سبحانه وتعالى من العباد.

ونوع مراد لغيره، يعني: ليس مراداً لذاته، وإنما هو مراد لغيره، وهذه هي الإرادة الكونية، فإن الله عز وجل خلق الكفر وخلق القبائح في الكون وقد أرادها سبحانه وتعالى، بمعنى: أنه خلقها، لكن جعلها للابتلاء والامتحان والاختبار، ولم يخلقها الله عز وجل وهو محب لها كما ظن المعتزلة، ولهذا ينقل كثير من أهل العلم مناظرات بين المعتزلة وبعض أئمة أهل السنة، وعندما يحصل النقاش بينهم إذا ذكر أحدهم هذا التساؤل وهو: كيف يريد الله عز وجل شيئاً ثم يبغضه؟ فيرد عليه السلفي بقوله: إنه لا يمكن أن يكون في كونه ما لا يريد؛ لأن المعتزلة يقولون: إن الله عز وجل لم يرد الشر ولم يرد الكفر، وأن الكفر حصل من الكفار بغير إرادة الله! هكذا يزعمون، ولا شك أن في هذا تنقيصاً لأفعال الله سبحانه وتعالى وقدرته؛ لأنهم يقولون: إن الكافر كفر بإرادته هو والله عز وجل لم يرد هذا، فكأن الكافر غلب الله عز وجل فحصلت إرادته! ولهذا سماهم السلف: مشبهة الأفعال؛ حيث شبهوا الله عز وجل بخلقه، وهذا قدح في التوحيد الذي يظنون أنهم يدافعون عنه بمثل هذه العقائد الفاسدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>