ثم يقول:[والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق].
هنا قضية لا بد أن ننتبه لها، وهي أن هناك فرقاً بين طريقة الشيخ الطحاوي وبين طريقة الأشاعرة، فالشيخ الطحاوي الخلاف معه أخف بكثير من الخلاف مع مرجئة الأشاعرة، والسبب في هذا هو: أنه عند النقاش والتحقيق تجد أن الطحاوي رحمه الله يكفر الذي يعرض عن العمل جملة، لكن وقعت الشبهة عنده في التعريف، وسبق أن قلنا: إن الخلاف ليس لفظياً؛ لأن التعريف هذا تعريف شرعي، فإذا خالف فيه تكون مخالفته مخالفة للنصوص، ومخالفة النصوص خطأ وبدعة، لكن ليس هو كحال مرجئة الأشاعرة الذين بنوا على هذه العقيدة قضايا خطيرة سبق أن تحدثنا عنها، مثل: الطواف حول القبور والنذر لها ونحو ذلك.
وقوله:(والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان).
قد سبق أن بينا أن الوقوف على هذين الركنين فقط خطأ، وإنما الصواب زيادة:(والعمل بالأركان).
وقوله:(وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق والإيمان واحد)، الإيمان واحد يعني: لا يزيد ولا ينقص، وإنما هو شيء واحد، والسبب في هذا القول هو: أنه تصور أن الإيمان هو التصديق فقط، وأما قوله:(والإقرار باللسان)، فإنهم يرون أن الإقرار باللسان ركن زائد لإجراء الأحكام الظاهرة على الإنسان فقط، وأما حقيقة الإيمان فلا يدخل فيه حتى الإقرار باللسان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى].
قوله:(وأهله في أصله سواء) يعني: وأهل الإيمان في أصل الإيمان سواء، ويقصد بأصل الإيمان: التصديق، ولكن هذه العبارة مضطربة؛ لأن قوله:(الإيمان واحد)، ثم قوله:(في أصله) يدل على أن هناك فرعاً له، فهو على هذا يرى أن الإيمان أصل وفرع، وإذا كان له أصل وفرع فكيف يقول: والإيمان واحد؟ فمعنى هذا: أن الإيمان اثنان وليس بواحد، وأن الفرع يزيد على الأصل، فقوله:(وأهله في أصله سواء) مناقض لقوله: (والإيمان واحد)، والسبب في المناقضة هذه هو أنه كان يرى رأي مرجئة الأحناف، وهذه من الفقرات التي أخذت على أبي جعفر الطحاوي رحمه الله.
ومن الأمور التي تبين الفرق بين مرجئة الفقهاء ومرجئة الأشاعرة: أن مرجئة الفقهاء يرون أن ترك العمل بالكلية كفر يخرج عن الإسلام، ولهذا يقول ابن أبي العز رحمه الله في شرحه للطحاوية: والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة اختلاف صوري؛ فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب أو جزءاً من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه نزاع لفظي، يعني: أنه يرى أن قول الأحناف: إن العمل لازم لإيمان القلب، وأن قول السلف: إن العمل من إيمان القلب، يرى أن هذا نزاع لفظي، والصحيح كما سبق أن بينا أنه ليس نزاعاً لفظياً.
وقد أطال الشيخ ابن أبي العز رحمه الله في شرح هذه الفقرة والتقريب بين مذهب أهل السنة ومرجئة الفقهاء في هذه المسألة.