للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب الإيمان بالقدر وعدم الخوض فيه]

ويمكن أن نمر على فقرات من موضوع القدر، ثم نعلق عليها، ثم ننتقل إلى الكلام في مسألة العلو.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله].

وهذا سبق أن أشرنا إليه، وذكرنا أن الله عز وجل قد كتب أعمال العباد جميعها.

ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه].

والسبب في كونه سر الله تعالى: أنه متعلق بصفة العلم، وصفة العلم لا نعلمها نحن، ولهذا الذين يحتجون بالقدر على المعائب ويقولون: إن الله كتب علينا الأخطاء، هؤلاء اعتقادهم اعتقاد فاسد وباطل، والسبب في هذا هو: أنهم لا يعلمون ماذا كتب لهم أصلاً؛ فهو سر من الأسرار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان].

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين كانوا يتناظرون في القدر، خرج عليهم وهو مغضب ووجهه أحمر كأنما فقع في وجهه حب الرمان، فقال: (أتضربون كتاب الله بعضه ببعض؟!) ونهاهم عن ذلك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ودرجة الطغيان، الحذر كل الحذر! من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣] فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين].

ومن الطرائف في الحقيقة التي تذكر في هذا: أن أعرابياً جاء إلى عمرو بن عبيد، وعمرو بن عبيد من المعتزلة الذين يقولون: إن الله عز وجل لم يرد الشر، وإنما حصل الشر بغير إرادته، فجاءه أعرابي وهو في بيته، وقال له: ضاعت إبلي فادع الله لي، وكان بين طلابه، فرفع يديه وقال: اللهم إنك لم ترد أن تضيع إبل فلان فردها إليه، فقال: لا حاجة لي بدعائك، قال: لماذا؟ قال: لأني أخشى أن يريد أن ترجع فلا ترجع، مادام أنه لم يرد أن تضيع فضاعت! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى، وهي درجة الراسخين في العلم؛ لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود].

والمقصود بالعلم المفقود هو علم الغيب، مثل حقائق أسماء الله وصفاته، ومثل القدر، ومثل حقائق ما في الجنة والنار ونحو ذلك، فكل هذه ليست مرامة بالنسبة للإنسان في هذه الدنيا، وإنما عليه أن يؤمن بالقدر الذي جاء في الكتاب والسنة فقط.

وفي هذه الفقرة مسألة من المسائل، وهي مسألة الأولياء، وسيذكرها الشيخ في آخر الكتاب، والأولياء بينهم الله عز وجل في قوله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢ - ٦٣]، فأولياء الله عز وجل هم أهل التقوى من أهل العقيدة الصحيحة، وأما ما يعتقده الصوفية في الولي وأنه أفضل من النبي فهذا اعتقاد باطل، حتى إنه قال بعضهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي يعني: النبوة أقل من الولاية، ويستدلون على ذلك بأن الخضر كان معلماً لموسى عليهما السلام، والخضر ولي، وبناء على هذا فالولي أفضل من النبي، وهذا استدلال فاسد؛ فإن الخضر نبي؛ لقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢] يعني: وإنما فعلته عن أمر الله عز وجل، فقولهم هذا لا شك في بطلانه.

والباطنية لهم عقيدة خاصة في أولياء الله سبحانه وتعالى، لكن لا يكفي المجال لشرحها، حتى إن بعضهم يعتقد أن الولاية إنما تحصل بالكشف فقط، فقد نص الغزالي في إحياء علوم الدين على أن الكشف يمكن أن تؤول به النصوص الشرعية، وهذه علومهم، فعلومهم أنهم يجلسون في الأماكن القذرة والوسخة ويدعون أنهم تأتيهم كشوفات، حتى قال الشبلي: إذا بارزونا بعلم الورق خرجنا إليهم بعلم الخرق يعني: يعتقدون أن الخرقة -وهي الولاية التي تحصل لهم- لها إسناد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم].

وهذه منزلة الكتابة، وهي الإيمان بما كتبه الله سبحانه وتعالى في اللوح، وهذه الكتابة بالقلم.

وقد أنكر الفلاسفة اللوح والقلم، قال ابن سينا: إن اللوح هو النفس الكلية، وأما القلم فهو العقل الكلي، ورفض أن يؤمن باللوح والقلم كما أراده الله سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائناً لم يقدروا عليه؛ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة].

وقد س

<<  <  ج: ص:  >  >>