للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات العلو]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه].

وهو مستغن عن العرش لأنه سبحانه وتعالى هو الغني الحميد، كما قال عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:٦]، وكما قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥]، واستواؤه على العرش لا يدل على حاجته له، فإن الله عز وجل استوى عليه وهو غير محتاج له، وإنما هو غني سبحانه وتعالى عنه، وهاتان الفقرتان ذكرهما المؤلف في بداية الكلام على موضوع من أهم الموضوعات العقائدية، وهو موضوع إثبات علو الله سبحانه وتعالى، وإثبات علو الله عز وجل على خلقه من أعظم العقائد السلفية الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأئمة، والثابتة بالعقل والفطرة، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر أن علو الله عز وجل على خلقه عليه ألف دليل، وقد ذكر ابن القيم أكثر من ثلاثين دليلاً فطرياً على إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وقد وزعها بعض العلماء إلى أنواع، وقبل ذلك صنف فيها بعض الأئمة كتباً مستقلة، مثل: الذهبي رحمه الله صنف كتاب (العلو للعلي الغفار) وقد اختصره الشيخ الألباني والأصل والمختصر كلاهما مطبوع، وقبل الذهبي ألف أبو محمد الموفق المقدسي كتاباً سماه (علو الله تعالى)، وممن ألف في علو الله تعالى الأستاذ موسى الدويش له رسالة ماجستير في إثبات علو الله تعالى على خلقه، وأسامة القصاص له جزءان في إثبات علو الله تعالى على خلقه.

وذكروا أنواعاً من الأدلة على علو الله عز وجل، منها: أن الله عز وجل صرح بالعلو، كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١]، فهذا صريح في إثبات صفة العلو، ومنها قوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:٤]، ومن الأدلة قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠].

ومن الأدلة قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦]، وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤].

ومن الأدلة كذلك المعراج، فإنه صلى الله عليه وسلم أعرج به إلى السماء، وهكذا هناك أدلة كثيرة تدل على إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، ومنها تنزل القرآن منه سبحانه وتعالى.

وأما العقل فقد دل على إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وقد استدل الإمام أحمد رحمه الله في كتابه (الرد على الجهمية والزنادقة) بدليل عقلي ظاهر، فإنه قال: إن الله عز وجل عندما خلق الخلق، هل خلق المخلوقات في نفسه أو خارجاً عنه؟ ثم قال: لا يخلو المعطل -يعني: لا يجيب المعطل- إلا بأحد ثلاثة أجوبة، إما أن يقول: خلق المخلوقات في نفسه، وهذا واضح الكفر، وإما أن يقول: خارجاً عنه، فإذا قال: خارجاً عنه، فنقول: هل هو خارج عنه ثم دخل فيه؟ فإن قال: هو خارج عنه ثم دخل فيه، فهذا كفر ظاهر؛ لأن فيه حصراً لله عز وجل ونسبة للأماكن القبيحة له سبحانه، فلا يبقى له إلا واحد وهو أن يقول: إن الله خلق الخلق وهو سبحانه وتعالى خارج عن هذه المخلوقات وهو في العلو سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>