المرتبة الأولى: مرتبة العلم، والعلم صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، عالم بما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو سبحانه وتعالى عالم بآجال الناس وأعمالهم وأرزاقهم، وهو سبحانه وتعالى عالم بكل شيء ولا يغيب عنه شيء.
والعلم من الصفات الثبوتية لله سبحانه وتعالى، فإن الصفات تنقسم إلى قسمين: الصفات السلبية: وهي التي نفاها الله عز وجل عن نفسه؛ كقوله تعالى:{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}[البقرة:٢٥٥].
والصفات الثبوتية: وهي ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه.
فصفة العلم هي من الصفات الثبوتية، والصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات فعلية وصفات ذاتية، والضابط في التفريق بينهما هو: أن الصفات الفعلية هي ما تعلق بمشيئة الله سبحانه وتعالى وإرادته، وأما الصفات الثبوتية فهي الذي لا ينفك عن الله عز وجل بأي وجه من الوجوه، وليس متعلقاً بالإرادة.
فصفة العلم صفة ثبوتية ذاتية متعلقة بالله سبحانه وتعالى، لكن قد يقول قائل: ما هو الدليل على تقسيم الصفات؟ فنقول: الدليل على تقسيم الصفات هو أن هذه الصفات أصلاً موجودة في القرآن بمعناها، فمعنى الصفات الفعلية هو موجود، كقوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]، وقوله:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:٥٤]، فهذا يدل على أنه استوى وقبل ذلك لم يكن مستوياً، فلما خلق العرش استوى سبحانه وتعالى، وهذه صفة فعلية متعلقة بإرادته ومشيئته، وصفة العلم متعلقة بالله عز وجل؛ فإن العلم لا ينفك عنه بوجه من الوجوه، ولهذا لا يمكن أن يكون الله عز وجل يوماً من الأيام جاهلاً ومرة أخرى عالماً هذا لا يقوله أي مسلم، وصفة العلم يمكن أن نأخذها من اسم الله سبحانه وتعالى العليم، فإن القاعدة: أن كل اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى يتضمن صفة؛ فالعليم يتضمن صفة العلم، ومما يدل على هذه الصفة في القرآن قول الله سبحانه وتعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:٥٩]، فهذه الآية وغيرها من الآيات تدل على إثبات صفة العلم لله سبحانه وتعالى، وأهل السنة يثبتون هذه الصفة التي هي العلم، ويقولون: إنه عالم بالماضي والمستقبل، وإن علمه سبحانه وتعالى شامل لكل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة، ولا يعتريه نسيان ولا جهل بأي وجه من الوجوه.