للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المرتبة الثانية: الكتابة]

المرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالقدر: مرتبة الكتابة، وهذه المرتبة متعلقة بصفة القدرة، ويدل على هذه المرتبة من القرآن قول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ} [الأنعام:٣٨]، وللسلف رضوان الله عليهم في تفسير الكتاب هنا رأيان: الرأي الأول: أن المقصود بالكتاب: اللوح المحفوظ.

والرأي الثاني: أن المقصود به: القرآن.

لكن يبدو أن المقصود به اللوح المحفوظ كما ذكره غير واحد من السلف.

ومما يدل على ذلك -وهو أوضح من الاستدلال السابق- قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:٧٠]، وهذا نص على أن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض وأن ذلك في كتاب، ويقول الله عز وجل: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:٧٥].

ومرتبة الكتابة أنواع: النوع الأول: الكتابة العامة، ويدل عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء).

النوع الثاني: التقدير أو الكتابة حين أخذ الميثاق، وقد ذكرنا ذلك في حديث عمر بن الخطاب.

النوع الثالث: هي الكتابة العمرية أو التقدير العمري، ويدل عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه عندما قال: حدثني الصادق المصدوق إلى أن قال: (ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد)، فهذه كتابة عمرية، يعني: متعلقة بعمر الإنسان كله.

النوع الرابع: التقدير أو الكتابة التي تحصل في ليلة القدر، فإن الله عز وجل يقول عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:٤].

النوع الخامس: الكتابة أو التقدير اليومي؛ كما قال الله عز وجل: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: (من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويخفض آخرين)، وهذه الكتابة كما تلاحظون ثابتة بالقرآن والسنة، والمكتوب في هذه الكتابة هو ما علمه سبحانه وتعالى، وعلمه لا يحده حد، فهو يعلم الماضي ويعلم المستقبل، يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، فقد علم ما سيفعله العباد قبل أن يفعلوه، وكتب ما علمه من فعل العباد الذي سيفعلونه قبل أن يفعلوه، وهذا من علمه سبحانه وتعالى الشامل التام، وهذه المرتبة ينكرها المعتزلة القدرية، ويثبتها الجبرية بكل طوائفهم، وسيأتي الإشارة إلى هذه الطوائف في المرتبة الرابعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>