للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أبي حامد الغزالي]

السؤال

ما رأيكم في عقيدة الغزالي؛ حيث إن كثيراً من الناس يقتنون كتبه ويقتنعون برأيه؟

الجواب

أبو حامد الغزالي مر بمراحل متعددة، مر بمرحلة التصوف حتى إنه وصل إلى درجة القول بعقائد الباطنيين؛ وذلك عندما اختبأ في منارة دمشق زمناً طويلاً، وكتب في أثناء تصوفه كتاب (معارج القدس) وكتاب (المضنون به على غير أهله) وكتب كتباً متعددة في هذه الفترة، وهو في هذه الفترة قد قال بعقائد الباطنية إلى درجة أنه كان يجيد السحر، كما في كتاب (المضنون به على غير أهله)، والغزالي كان يؤمن بالأسرار، ويتحدث كثيراً عن الأسرار، فيقول: قلوب الأحرار قبور الأسرار، ويتكلم عن مسألة السر، ويدندن حولها كثيراً من أجل أن يبين أن هناك شيئاً من الدين خاصاً بطائفة معينة، هذا الشيء الخاص في طائفة معينة لو خرج للعامة لأنكروه، هكذا كان يظن، ثم بعد ذلك ترك عقيدة الباطنية وألف رداً عليهم كتاب (تهافت الباطنية) بعد أن كلفه نظام الملك بهذا الكتاب عندما درس في مدرسته النظامية في بغداد، ثم بعد ذلك اهتم بعلم الكلام، وألف فيه رسالة (الاقتصاد في الاعتقاد)، ثم رقى بعلم الكلام في كتاب سماه (إلجام العوام عن علم الكلام)، وكان مضطرب العقيدة؛ حتى إنه صرح بالشك في بعض كتبه، في كتاب (ميزان العمل) يقول في آخر هذا الكتاب: إن من لم يشك ولم يحصل له الشك فإنه لم يصل إلى الحقيقة! ويعتقد أن طريق الوصول إلى الحقيقة هي عن طريق الشكوك، فيقول: إن فائدة كتابي -يعني: ميزان العمل- لو لم يثمر إلا أنه يشكك في الموروث من عقائدك، لكان هذا كافياً! يعني: في أن يكون قد أدى دوره.

وبعض الباحثين يحاول أن يدافع عن الغزالي بأن هذا الشك يسمونه الشك المنهجي وليس الشك العقائدي، والحقيقة أن الشك المنهجي والشك العقائد متلازمان وهما شيء واحد في الحقيقة، فالذي يشك منهجياً لابد أن يشك عقائدياً، ولابد أن يشك في عقيدته.

وأما كتابه (إحياء علوم الدين) فهو كتاب مليء بالخير والشر، ومليء بالأحاديث الصحيحة والضعيفة، وهو كتاب تربوي يمكن للمتخصص الذي يستطيع أن يميز أن يستفيد منه، لكنه لا ينفع لمن لا يستطيع التمييز؛ فإنه صرح فيه بعقائد باطلة، منها العقيدة التي ذكرتها وهي أنه يقول: إن الكشف الصوفي يمكن أن تؤول به النصوص الشرعية، وكما قلت: إنه ملأه بكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبعض الناس يعظم كتاب (إحياء علوم الدين) إلى درجة أنه يقول: إن الغزالي في هذا الكتاب استطاع أن يحيي الأمة الإسلامية في الجيل الذي ظهر قبل صلاح الدين الأيوبي، وإنه لما جاء صلاح الدين الأيوبي وجد أمة جاهزة للجهاد في سبيل الله، وهذا الكلام غير صحيح، فإن كتاب (إحياء علوم الدين) على ضخامته في أربعة مجلدات كبيرة لم يعقد فيه باباً للجهاد، ولم يتكلم عن الجهاد أبداً، وإنما كان يتكلم عن بعض السلوكيات، والحق يقال، ولا ينبغي كتم الحق، والواجب هو العدل، فالكتاب فيه الكثير من الجوانب الإيجابية والجوانب المفيدة، إلا أنه لا ينبغي لغير المتخصص ولغير الممحص أن يقرأه، فإنه إن قرأه تورط في بعض أخطائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>