ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:[والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن].
وقد سبق الحديث مختصراً عن الولاية، واستدللنا عليها بقول الله تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:٦٢ - ٦٣] وأبطلنا فيها مذهب الصوفية في الولاية، وذكرنا أنهم يقولون: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي فيرون أن النبوة والرسالة دون الولاية، ويستدلون عليها كما سبق أن بينا بقصة الخضر مع موسى، وسبق أن أبطلناها بأن الخضر كان نبياً، وأنه إن فضل على موسى في قضية فإن موسى أفضل منه في قضايا أخرى.
وأكرم المؤمنين عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن، فأكرم المؤمنين هو المتبع لما جاء عن الله والمتبع للقرآن الكريم، وفي هذا رد على منهج الصوفية في مسألة الولاية، فإن الصوفية لهم طريق في السلوك غير طريقة أهل السنة، فأهل السنة طريقتهم في السلوك: أن الإنسان يزيد إيمانه عن طريق الأعمال الصالحة المشروعة: عن طريق الذكر المشروع عن طريق الصلاة المشروعة مثل النوافل وغيرها عن طريق الصيام المشروع عن طريق الجهاد في سبيل الله عن طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والإصلاح عن طريق العبادة والخشوع والخوف وتنمية أعمال القلب، هكذا يزيد الإيمان عند المؤمن حتى يبلغ أعلى الدرجات الممكنة، لكن الصوفية لهم خط آخر غير خط أهل السنة في مسألة الحصول على الولاية، فإنهم يرون أن الحصول على الولاية يكون بالإعراض عن القتال والجهاد، ولا يرون أن الجهاد يمكن أن يوصل إلى الولاية بأي وجه من الوجوه.
فمثلاً: يقول أبو حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين): ينبغي على السالك إذا جاء إلى خلوته ألا يشتغل في خلوته بقراءة قرآن، ولا بكتب حديث، ولا بشيء من ذلك! انظروا كيف يرون أن قراءة القرآن وأن دراسة الحديث لا توصل إلى السلوك، ولهذا كانوا يرون أن أهل الحديث قساة في القلوب، وهذه وجهة نظرهم، كانوا يرون أن أهل الحديث من قساة القلوب؛ لأنهم لا يشتغلون بالطريقة التي هم يشتغلون بها، ولا يأخذون الولاية كما يأخذها هؤلاء، فهم يأخذون اسماً من الأسماء يردده الواحد منهم، فيقول مثلاً: الله الله، ويردده آلاف المرات حتى يحصل له كشوفات، ثم يشترطون له شروطاً مثل الجوع وألا يكون ممتلئاً، ويذكرون فضل الجوع ونحو ذلك بذكر الأدلة في الفقر ونحوه.
الشاهد: أنهم يطيلون في مسألة كيف يبدأ السالك بالذكر، وهو ذكر مبتدع يشتغل فيه أحدهم حتى تحصل له الكشوفات، فإذا حصلت له الكشوفات فقد حصلت له الولاية، وكشوفات أكثرهم ولاية، وهم يستدلون على وجود الولاية عند أحدهم بالكشوفات وكثرة الإغراء، ولهذا يقولون: من كرامات إبراهيم العريان - وهو من أوليائهم - أنه كان يخطب بالناس عرياناً، ويوم من الأيام قال: أشهد أن محمداً عدو الله وأن إبليس نبي الله! وخرج على الناس بسيف وهرب الناس جميعاً، وقالوا: هذه من كراماته رحمه الله تعالى! ويقولون: ربما وجد هذا التصرف منه في وقت واحد بأكثر من مكان، وهذه من كراماته! وهكذا يشتغلون بالخرافات والخزعبلات ويعتقدون أن هذا هو الطريق المنجي عند الله سبحانه وتعالى.
بل إن الشعراني في كتابه (الأنوار القدسية في الآداب الصوفية) يقول: إن الإنسان إذا سلم نفسه للشيخ فيكون بين يديه كالميت بين يدي مغسله، فهم يقولون: إن الذي ليس له شيخ فشيخه الشيطان، فلا بد أن يكون للواحد شيخ محدد يدرس عليه هذا الطريق، ولا يمكن عندهم أبداً أن يدرس إنسان هذا الطريق من غير هذا الشيخ، ثم إذا جاءوا إلى آداب التعامل مع الشيخ يذكرون شيئاً لا يطيقه العقل، ومن ذلك: ألا يكتم عن شيخه سراً، فإن الشيخ إذا كتم عنه هذا الإنسان سراً فإنه أولاً يكتشفه الشيخ، وهذه أكبر ورطة، والثانية أنه لا يصل إلى درجة الولاية المطلوبة، فإذا جاء الإنسان وعنده رغبة في الولاية فلا بد أنه يبوح بكل أسراره وكل فضائحه التي عملها في الدنيا، ولا شك أن هذا من كشف الأسرار التي ما أمر الله سبحانه وتعالى بها.
وكما سبق أن بينت أن طريقة مبتدعة، وهي طريقة الضالين، يذكرون أنه ينبغي للمريد عند شيخه أن يكون مثل الميت بين يدي مغسله، هكذا نص الشعراني، فإنه قال: يجلس بين يدي شيخه كما يكون الميت بين يدي مغسله لا يحرك شيئاً! ولهذا يا إخوان هؤلاء الصوفية عبثوا في الأمة عبثاً كبيراً، وكانوا سبباً في ترك كثير من المشركين لهذا الإسلام، فبعض النصارى - مثلاً - إذا أراد أن يسلم ورأى هؤلاء قال: خرافات النصارى أحب إلي من خرافات المسلمين، يعني: خرافات جماعتي أفضل من خرافات ناس ما أعرفهم، فأصبحوا فتنة والعياذ بالله! وأصبحوا سبباً للصد عن سبيل الله، وصاروا فتنة للذين كفروا؛ بحيث إنهم امتنعوا عن الدخول في الإسلام بسببهم.