أين ومتى يكون الحوض؟ ذكر بعض العلماء خلافاً في ذلك، وهو القرطبي رحمه الله في كتابه (التذكرة) ذكر أن بعض العلماء قال: إن الحوض يكون قبل الصراط وقبل أن توزن الأعمال، وقال آخرون: إن الكوثر يكون بعد الصراط، وهذا هو الصحيح، وطريقة البخاري رحمه في روايته لأحاديث الحوض تدل على ذلك، فإنه بوب في كتاب الرقاق (باب في الحوض) بعد ذكره الشفاعة والصراط، وهذه إشارة منه رحمه الله إلى أن الحوض يكون بعد الصراط، ويدل على ذلك ما رواه أحمد والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال:(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي، فقال: أنا فاعل، فقلت: أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، قلت: فإن لم أجدك؟ قال: فأنا عند الميزان، قلت: فإن لم أجدك؟ قال: فأنا عند الحوض) وهذا يدل على أن الحوض يكون بعد الميزان وبعد الصراط.
لكن قد يشكل على هذا القول الأحاديث التي وردت أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى بعض أصحابه ثم يذادون عنه فيقول:(أصيحابي أصيحابي! ثم يقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك).
وإذا كان الحوض بعد الصراط فإن الذي يمر على الصراط إلى الحوض لا بد أن يكون ناجياً، فإنه لا يمكن أن يمر على الصراط ثم يأتي إلى الحوض ثم يذاد ويرجع به إلى النار، فإن من مر على الصراط ونجا منه لا يمكن أن يرجع إليه مرة أخرى.
لكن هذا يجاب عنه: هؤلاء الذين يذادون عن الحوض يراهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد بقي لهم بقية من الصراط لم يتجاوزوه، ثم يذادون عنه، يعني: يؤخذون إلى النار، ثم ينادي ويقول:(أصيحابي أصيحابي!) وهم لم يتجاوزوا الصراط بأكمله، هذا ما أفاده الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.