[أهل القبلة مسلمون مؤمنون]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أما بعد: تحدثنا في الدرس الماضي عن موضوع الإيمان وعن أركانه الأساسية، وعما يتبع ذلك من الكلام في أدلته، وخلاف الفرق فيه لا سيما المرجئة الذين هم من أضل الطوائف في هذا الباب.
ويمكن في هذا الدرس أن نقرأ الفقرات التي تحدث فيها الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في موضوع الإيمان ونعلق عليها بتعليق موجز، وما سبق أن تحدثنا فيه عن الإيمان فيه الغنية والكفاية بإذنه تعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين].
هذه الفقرة فيها من الفوائد: أن المسلم يثبت له الإسلام بأعماله الظاهرة، مثل الإقرار بالشهادتين والإقرار كذلك بما يلزم من أحكام الإسلام وفعل الصلاة ونحو ذلك، والدليل على ذلك ما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا) ومما يبين أن الإنسان إذا أقر بالشهادة فإنه يكون من أهل الإسلام ويكف عنه ويكون معصوم الدم والمال ما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه في كان في غزاة، فانطلق أحد المشركين هارباً، فلحقه أسامة، فلما أدركه ورفع السيف عليه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقتله أسامة، فلما قتله أسامة رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد بلغه الخبر، فقال له: (أقتلته بعد ما قالها؟) يعني بعد ما قال: لا إله إلا الله، فقال: نعم إنما قالها تعوذاً، يعني: إنما قالها يتقي بها السيف لا يريد القتل، فقال هذه الكلمة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف قتلته بعد ما قالها؟) وأصبح يرددها كثيراً، حتى إن أسامة رضي الله عنه قال: تمنيت أنني لم أسلم إلا في تلك اللحظة، أي: من شدة إنكار النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
وهذا الحديث يؤخذ منه فائدة وهي: أن الإنسان يثبت له الإسلام ابتداءً بإقراره بالشهادتين وقوله: لا إله إلا الله محمداً رسول الله، ثم يطالب بعد ذلك بالعمل.
فثبوت الإسلام على نوعين: النوع الأول ثبوت ابتدائي، وهو أن يثبت له الإسلام ابتداءً، فهذا يثبت له الإسلام ابتداءً بالإقرار بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
أما ثبوت الإسلام من ناحية استمرار هذا الوصف فإنه يطالب بالعمل، فإن عمل بأعمال الإسلام كالصلاة والخوف من الله ونحو ذلك فإنه يكون مسلماً، وإن جحدها وأنكرها أو أعرض عنها جملة فإنه يقتل ويكون كافراً، ويرتفع عنه هذا الوصف كما سبق أن بينا ذلك في مسألة تارك الصلاة.
وهذا فيه الرد على طائفة من الطوائف تقول: لا يثبت الإسلام للإنسان المستور إلا إذا تبينا، فهم يتوقفون في هذا الشخص حتى يتبين لهم إسلامه أو عدم إسلامه.
فمثلاً: إذا رأوا رجلاً لا يعرفون ما هو موقفه، وبالذات من قضية الحاكمية؛ لأن هؤلاء يدندنون على هذه القضية كثيراً، فإذا رأوا شخصاً لا يدرون ما موقفه من قضية الحاكمية، قالوا: حتى ولو كان ينطق الشهادتين وحتى لو كان يصلي مع الناس فلا نثبت له الإسلام حتى نتبين موقفه من هذا، ولا شك أن هذا هو رأي الخوارج، وعليه طائفة من الناس اليوم؛ فإنهم يتوقفون في مستور الحال ولا يثبتون له الإسلام حتى يتعرفوا عليه ويعرفوا موقفه من قضية الحاكمية، ثم بعد ذلك يثبتون له وصف الإسلام أو ينفونه عنه بحسب آرائهم وعقائدهم في هذا الباب.