الفرق التي ضلت في مسألة علو الله سبحانه وتعالى فرقتان: الفرقة الأولى: الجبرية الحلولية، وهم الذين قالوا: إن الله سبحانه وتعالى في كل مكان، ولا يخلو منه مكان، وهم الذين قالوا: إن أفعال العباد هي أفعال الله، بل كل شيء في هذا الكون هو من فعل الله عز وجل، هكذا ظنوا، وهكذا يقولون! وهم يستدلون على ذلك بآيات المعية، كقوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد:٤] وفهموا أن قوله تعالى: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) يعني: أنه مختلط بكم، وهذا فهم فاسد، فإن قوله:((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) يعني: بعلمه وقدرته سبحانه وتعالى، فإن الذي قال:((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) قال: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[الملك:١٦]، وهو سبحانه وتعالى الذي نزه نفسه عن القبائح، وهو نفسه سبحانه وتعالى الذي قال:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١]، وهو الذي أوجد في فطر العباد أن الإله لابد أن يكون عالياً، ولهذا يذكر أن إمام الحرمين الجويني وهو من أئمة الأشاعرة النفاة للعلو كان في أحد دروسه يقرر نفي العلو، فقال له أحد التلاميذ -وهو الهمداني -: أرأيت الشيء والحاجة التي نجدها في صدورنا أثناء الدعاء بالاتجاه إلى العلو؟ فماذا تقول فيها؟ فسكت، ثم فكر قليلاً، وقال: إنها الحيرة! إنها الحيرة! وجعل يضرب على رأسه، ويقول: حيرني الهمداني؛ لأنه استدل عليه بدليل من نفسه، وهو وجود فطرة في نفس الإنسان أثناء الدعاء؛ حيث يجد الإنسان في نفسه الالتجاء إلى الله عز وجل، بل إنك لو أوقفت طفلاً صغيراً وسألته: أين الله؟ فإنه مباشرة يشير إلى السماء فهي فطرة موهوبة في نفس الإنسان.
الفرقة الثانية التي ضلت: الجهمية الكلامية، وهم أهل الكلام من الجهمية، فهؤلاء قالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا في العلو ولا في السفل، ولا عن اليمين ولا عن الشمال، وهؤلاء في الحقيقة ينفون الإله، إلا أنهم لم يأتوا بالتصريح في نفي الإله؛ لأن هذا لا يجوز بتاتاً، فإن الذي لا داخل العالم ولا خارج العالم ولا في اليمين ولا في الشمال هو العدم.
ويمكن مراجعة كتاب (الصواعق المرسلة) فقد شرح ابن القيم رحمه الله الرد على هؤلاء بالتفصيل.