[الفرق التي ضلت في إثبات مرتبة العلم والرد عليهم]
أما المذاهب الضالة في موضوع العلم فهي على أنواع: الفرقة الأولى: الفلاسفة، والفلاسفة جمع فيلسوف، وفيلسوف كلمة يونانية مركبة من كلمتين: من (فيلا) و (سوف) يعني: محب الحكمة، والفلاسفة نوعان: فلاسفة اليونان: مثل أرسطو وأفلاطون وسقراط وجالينيوس وغيرهم من الفلاسفة.
وهناك فلاسفة يسمون بالفلاسفة الإسلاميين، والحقيقة أنه ليس في الإسلام فلسفة، لكن نسبوا إلى الإسلام؛ لأنهم ينتسبون إليه، مثل: ابن سينا والفارابي والكندي، فهؤلاء الفلاسفة ضلوا في صفة العلم، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى إنما يعلم الكليات فقط، وأما الجزئيات فلا يعلمها، وهذا أحد الأسباب التي جعلت الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة) يكفرهم بسببه، فإن الغزالي كفرهم في كتابه (تهافت الفلاسفة) بثلاثة أسباب: السبب الأول: أنهم قالوا: إن الله سبحانه وتعالى إنما يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.
السبب الثاني: إنكارهم للنبوة.
السبب الثالث: أنهم أنكروا المعاد الجسماني، وقالوا: إن الناس لا يبعثون من قبورهم.
ويمكن أن يرد عليهم بآية في كتاب الله عز وجل وهي قوله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] يعني: عقلاً لا يتصور أن يخلق الله عز وجل خلقاً لا يعرفه، فإن من يخلق الشيء لابد أن يعرفه، فكيف يقال: إن الله خلق الخلق ثم لا يعرف ما فيه إلا الكليات؟! وهم أصلاً ضالون في صفة الخلق، فإنهم يقولون: إن الخلق لم يحصل بإرادة الرب سبحانه وتعالى، وإنما صدر الخلق عن الله عز وجل صدوراً مثل الشعاع عندما ينفصل عن الشمس، ولهذا يعتقدون أن الخلق قديم، وأن الخلق له جزء من صفة الباري! هكذا يعتقدون، وهم ضالون في ذلك، وكفرهم وضلالهم واضح.
الفرقة الثانية: هم القدرية الأولى، فإن القدرية الأولى يقولون: إن الله سبحانه وتعالى لا يعلم الفعل من العبد قبل وقوعه، وإنما يعلمه بعد أن يقع، وأول من قال بهذا رجل نصراني ظهر في البصرة في العراق يسمى سوسن النصراني أظهر الإسلام، ثم بعد ذلك تأثر به معبد الجهني، وأخذها عن معبد غيلان الدمشقي، والذي يدل على أن معبداً أخذها من سوسن النصراني هو حديث يحيى بن يعمر الثابت في صحيح مسلم وفيه: أنه ذهب هو وحميد بن عبد الرحمن الحميري والتقيا بـ ابن عمر رضي الله عنه في عرفة وكان حاجاً، فقالا له: إنه ظهر عندنا بالبصرة رجل يقال له: معبد، ينكر القدر ويقول: إن الأمر أنف، فـ معبد الجهني كان هو وغيلان وسوسن الذي قبله ينكرون علم الله سبحانه وتعالى بالفعل قبل وقوعه، وإنما يقولون: إنه يعلم الفعل بعد وقوعه، وهؤلاء كفرهم السلف رضوان الله عليهم، لكن هؤلاء انقرضوا، ولم يبقوا بعد ذلك.
الفرقة الثالثة: المعتزلة: والمعتزلة أخذوا هذا الفكر عن القدرية، ولا شك أن عقيدة القدرية الذين ينكرون علم الله سبحانه وتعالى باطلة؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:٩٨]، فقوله: ((وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)) يدل على أنه عالم بالماضي والمستقبل، عالم سبحانه وتعالى بالفعل قبل وقوعه وبعد وقوعه، كما سيأتي في الكلام على عقيدة الأشاعرة في هذا الأمر.
فالمعتزلة هم خلف القدرية، وجاء بعد معبد الجهني غيلان الدمشقي، ثم غيلان الدمشقي قتله هشام بن عبد الملك كما هو مشهور، وقيل: قتله عمر بن عبد العزيز.
ثم بعد ذلك ظهر عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وأخذوا ضمن ما أخذوا إنكار القدر عن معبد، لكن بشكل أقل غلواً من أولئك؛ فقد أثبتوا صفة العلم لله سبحانه وتعالى، لكنهم أنكروا الكتابة، وأنكروا الإرادة، وأنكروا خلق أفعال العباد كما سيأتي مفصلاً بإذنه تعالى.
والمعتزلة وإن كانوا يثبتون صفة العلم، إلا أنهم يقولون: إن الله عز وجل عليم بلا علم، كما يقولون: سميع بلا سمع، ويقولون: إن علمه هو ذاته، وقالوا بهذا القول هروباً من شبهة تعدد القدماء؛ فإنهم يعتقدون أن أخص وصف للإله أن يكون قديماً، والقديم لا يقبل التعدد عندهم، فإنهم يقولون: لو أثبتنا -مثلاً- للباري صفة العلم وأثبتنا له صفة الإرادة وأثبتنا له صفة الكلام فإنه يلزم في كل صفة من هذه الصفات أن تكون قديمة؛ لأن الإله قديم، ومادام يلزم أن تكون هذه الصفة قديمة فمعنى هذا: أنه لابد أن يكون لهذه الصفة سمع وبصر وعلم، فأصبحت إلهاً آخر، ولهذا أصبح عندنا آلهة متعددة، فيقولون: إذا أثبتنا الصفات أثبتن