إخراج المرجئة لتوحيد الألوهية من أقسام التوحيد بناءً على إخراجهم العمل من الإيمان
وهناك قضية أخطر من هذه القضية، وهذه القضية هي أن الإيمان يدخل فيه التوحيد، والإيمان كما قلنا: قول وعمل، والتوحيد داخل فيه، كما هو معلوم.
والتوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار، وإلى قسمين باعتبار آخر، فهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار النظر إلى الله عز وجل، وحينئذ يقسم إلى: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ويقسم إلى قسمين بالنظر إلى العبد، فهو ينقسم إلى قسمين: توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد القصد والطلب.
وإذا جئنا للمقارنة بين الإيمان وبين التوحيد نجد أن الإيمان هو التوحيد، فالإيمان قول وعمل، والتوحيد قول وعمل، الإيمان قول؛ لأن فيه تصديق القلب وإقرار اللسان، والتوحيد قول؛ لأن فيه الإيمان بربوبية الله عز وجل والإيمان بأسمائه وصفاته، وهذه مطابقة لهذه، فالإيمان عمل بالجوارح وعمل بالقلب، وكذلك التوحيد عمل بالجوارح وعمل بالقلب.
وتوحيد الألوهية: هو التأله لله سبحانه وتعالى بالخوف والرجاء والحب والصلاة والصيام وأعمال الجوارح، وهذه هي حقيقة العمل في الإيمان، يعني: هذه هي نفسها العمل في الإيمان؛ إذا جئت تعرف العمل في الإيمان تجد أنه هو توحيد الألوهية، فهما شيء واحد، ولهذا لما ضلت المرجئة في الإيمان فأخرجت العمل عن الإيمان أخرجت كذلك توحيد الألوهية عن التوحيد، وحينئذٍ وقعت المصيبة، فلما أخرجوا توحيد الألوهية -وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة- عن التوحيد، ترتب على هذا أنهم فسروا لا إله إلا الله بتفسير بدعي ما كان يعرفه السلف الصالح رضوان الله عليهم، فقالوا: لا إله إلا الله، يعني: لا خالق إلا الله، وإله: فسروه بأنه هو القادر على الاختراع؛ وفسروا الإله بأنه القادر على الاختراع من أجل أن يخرجوا من الجانب العملي في التوحيد، ومن أجل أن يفسروا الإيمان بالتصديق فقط، فإنك إذا قلت: لا خالق إلا الله، يصير المطلوب من العبد هو أن يعتقد أنه لا خالق إلا الله فقط، لكن إذا فسرت الإله بأنه المعبود المألوه المحبوب، وهكذا فإن هذا يحتاج من العبد إلى عمل، وهي المحبة والتأله والخوف والرجاء الذي ينتج عنه أعمال الجوارح مثل: الكف عن الذنوب والمعاصي، ومثل: الإقبال على الطاعات والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتبع ذلك من أعمال صالحة.
فأقول: لما أخرج المرجئة العمل من الإيمان أخرجوا كذلك توحيد الألوهية من التوحيد، واضطروا لتفسير الإله وقول: لا إله إلا الله بمعنى يوافق قولهم في مسألة الإيمان، فقالوا: إنه لا قادر على الاختراع إلا الله، وإن المطلوب من العبد هو مجرد أن يعتقد أن الخالق هو الله وحده لا شريك له فقط، وحينئذٍ يكون موحداً.