[مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج]
بقي عندنا مسألة أخيرة وهي: مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج: مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج كثيرة جداً، يمكن أن نشير إليها إشارة: من مسائل العقيدة في الإسراء والمعراج: المعجزة، ودلائل النبوة، فإن هذه الحادثة تعتبر من الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه؛ ولهذا صدقه أبو بكر رضي الله عنه مباشرة؛ لأنه كان يؤمن به أصلاً كنبي، فإذا كان نبياً يأتيه خبر السماء فمن باب أولى أن نصدقه فيما يقوله من الإعجاز، وفيما يقوله من الدلائل.
كما أن حادثة الإسراء والمعراج تدل على إثبات علو الله تعالى على خلقه.
وهي تدل كذلك على إثبات الرؤية، وعلى إثبات صفة الكلام لله سبحانه وتعالى، كما تدل على إثبات الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان الآن، كما تدل كذلك على إثبات الدجال، وتدل كذلك على خروج يأجوج ومأجوج، وتدل على مسائل كثيرة من مسائل العقيدة، لكن هذه بعض ما ذكرناه في هذا الموضوع.
بقيت مسألة مذكورة في حادثة الإسراء والمعراج، وهي مسألة: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بعينه التي في رأسه؟ السلف رضوان الله عليهم ذكر عن بعضهم -ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وثبت عن ابن عباس أيضاً أنه قال: رأى ربه بقلبه مرتين.
كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.
والتحقيق في هذه المسألة هو ما ذكره عدد من أهل العلم كـ شيخ الإسلام رحمه الله: أن الآثار الواردة عن ابن عباس في مسألة إثباته لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه هي آثار مطلقة، ليس فيها تحديد هل كانت الرؤيا بالعين أم بالقلب؟ وهناك أيضاً آثار عن ابن عباس مقيدة، وهو أنه أثبت الرؤية بالقلب، والقاعدة: أنه إذا ورد المطلق والمقيد وموضوعهما واحد يحمل المطلق على المقيد، فالمطلق من كلام ابن عباس هو قوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فيحمل قوله هذا على المقيد، وهو أنه رآه بقلبه، وليس المقصود الرؤية البصرية.
وأما إنكار عائشة رضي الله عنها لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه، فالمقصود: أنها أنكرت رؤية العين التي في الرأس، وهذا لا يخالف ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وبهذا يمكن أن نقول: إن مذهب الصحابة رضوان الله عليهم في هذه القضية واحد.
وهو: أنهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه ولم يره بعينه التي في رأسه، وهذا هو التحقيق في هذه المسألة.
وأما قوله: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١]، وقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣]، فإن بعضهم -مثل ابن عباس رضي الله عنهما- فسرها: بأن المقصود: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١] يعني: رأى ربه.
وقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣] يعني: رأى ربه.
وكما قلنا: هذه رواية مطلقة تحمل على المقيدة، لكن التفسير الصحيح لهذه الآية هو ما روي عن جماعة من الصحابة: أن جبريل هو الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى} [النجم:٥ - ٧] هو المقصود بهذه الآيات، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل مرتين: مرة في الأرض، عندما رآه وقد سد الأفق وله ستمائة جناح.
ومرة أخرى: وهو عند سدرة المنتهى كما ذكر ذلك العلماء، ذكر ذلك أبو هريرة وغيره من أهل العلم.
وبهذا نكون قد انتهينا من هذه الفقرة التي اشتملت على قضية من قضايا الاعتقاد الطويلة، وهي قضية: الإسراء والمعراج، وسنناقش -إن شاء الله- في الدرس القادم الكلام على الحوض الذي أكرم الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.