قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وذلك بأن الله تعالى مولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته، الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته، اللهم يا ولي الإسلام وأهله! ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.
ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم].
الصلاة المقصود بها: صلاة الجماعة، يعني: أن الصلاة تصلى خلف البر والفاجر، وفي هذه الفقرة يمكن أن نبحث مسألة وهي: ما هو حكم الصلاة خلف المبتدع وخلف الفاسق؟ الأصل أن صلاة المبتدع والفاسق في ذاتها صحيحة، فما دام أنه يأتي بأركانها ويأتي بشروطها وواجباتها فهي صلاة صحيحة، ولكن الأولى هو ألا يصلى خلف المبتدع والفاسق، وهذا لا لأن صلاته باطلة؛ وإنما للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بإنكار البدعة والذنوب والمعاصي، ومن إنكارها ترك الصلاة خلف أهلها، ولهذا فالمبتدع إذا صلى بالناس وأنت حاضر في المسجد لا بد أن تصلي وراءه؛ لأن صلاته صحيحة ولا إشكال فيها، والانصراف من الصف بسبب وجود مبتدع يصلي بالناس هذا بدعة في حد ذاتها.
والسلف الصالح رضوان الله عليهم بدعوا الذي يترك الجمعة والجماعة بسبب ترك الصلاة خلف الفاسق والمبتدع فإن هذه بدعة في ذاتها، فقد ثبت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة خلف المبتدع وخلف الفاسق، فأما خلف الفاسق فيمكن الاستدلال بما رواه البخاري أن ابن عمر وأنس بن مالك صليا خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكان فاسقاً سفاحاً قتالاً للصالحين، ولم يكونوا يتركون صلاة الجماعة أو الجمعة لأن الحجاج هو الذي يصلي بالناس، فلا تترك الصلاة جماعة أو تترك الجمعة بسبب مبتدع يصلي بالناس.
وأما إذا وجد مبتدع فالدليل على ذلك ما ثبت في الصحيح أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه جاء في يوم العيد فرقى مروان بن الحكم من أجل أن يخطب قبل الصلاة في يوم العيد، فأنكر عليه أحد الحضور وقال: ما هكذا السنة يا مروان! فقال له: يا فلان قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد برئ يعني: أعذر إلى الله عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان) لكن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان بعد أن انتهى من خطبته ولم يترك الصلاة، وهذا مما يدل على أن السلف الصالح رضوان الله عليهم يرون أن المبتدع يصلى خلفه ويصلى خلف الفاسق؛ لأن صلاته صحيحة، ولا تترك الجمعة والجماعة بسبب صلاة المبتدع، وإذا تركها أحد أو خرج من الصف بعد أن كبر الإمام وهو مبتدع أو فاسق فهو مبتدع، فهذه بدعة لم يكن عليها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إلا إذا كانت بدعته مكفرة، فإذا كانت بدعته مكفرة فلا يجوز الصلاة خلفه؛ لأنه لا يكون مسلماً، والصلاة يشترط لها الإسلام، وحينئذٍ إذا كانت بدعته مكفرة لا تكون الصلاة خلفه جائزة أصلاً، ولا تكون صلاته هو نفسه صحيحة، وإنما صلاته باطلة.
وهنا أحب الإشارة إلى قضية مهمة جداً وهي: قضية أن البدعة نوعان: بدعة مكفرة وبدعة ليست مكفرة، فالبدعة المكفرة هذه تدخل في عموم الكفريات، وأما البدعة غير المكفرة فهذه يكون صاحبها مسلماً له حق الإسلام والمسلمين؛ من رد السلام ومن تشميت العاطس ومن عيادته إذا مرض ونحو ذلك، لكن السلف الصالح رضوان الله عليهم عندما تكلموا عن أهل البدع ذكروا أنه لا يرد عليهم السلام، ولا يشمتون إذا عطسوا، ولا يعاد مرضاهم، ولا تتبع جنائزهم، ومقصودهم من ذلك هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والهجر قاعدته: أنه إذا كان الهجر نافعاً فإنه يهجر، لكن إذا كان الهجر ليس بنافع فلا يهجر، فمثلاً: بعض الناس قد يمر بمبتدع وهو لا يدري عنه أصلاً فلا يرد عليه السلام، يعني المبتدع مثلاً أشعري أو صوفي يسلم، فإذا سلم لا يرد عليه السلام، ويحتج بأقوال السلف، وهذا غير سليم وغير صحيح، نعم إذا كنت لم ترد عليه السلام قد يتأثر ويترك بدعته نقول: لا ترد عليه؛ حتى يتأثر ويترك بدعته، لكن إذا كان لا يتأثر ولا يعرفك ولا يدري من أنت ولا يدري لماذا أنت لم ترد فهذا ليس بصحيح أنك لا ترد السلام، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم خمس: - وذكر منها - عيادة المريض ورد السلام) وهذا مسلم، فلا يجوز أن يمتنع الإنسان من رد السلام أو من عيادة المريض أو نحو ذلك لهذا السبب، وبهذه الطريقة يفهم الإنسان نصوص السلف الصالح رضوان الله عليهم في هذا الباب.
وقد أشرت في كلامي السابق إلى أن صلاة المبتدع في ذاتها صحيحة، وكذلك صلاة الفاسق في ذاتها صحيحة، وذكرنا أن الصلاة خلف المبتدع صحيحة، والصلاة خلف الفاسق صحيحة، لكن ترك الصلاة خلف المبتدع وخلف الفاسق أولى وأح