للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدى صحة الاستدلال بحديث الجهنميين على عدم كفر تارك الصلاة]

السؤال

قرأت: أنه عندما يقضي الله سبحانه وتعالى بين الخلق فيدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، أن الله سبحانه وتعالى يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان، وأن تارك الصلاة تهاوناً وكسلاً كذلك إذا كان يؤمن بالله وبرسوله ولكنه متكاسل، فهل يصح أن نكفره؟

الجواب

الحديث الوارد في ذلك حديث صحيح، ويسمى بحديث الجهنميين، وقد كنت أحب أن أعرض له أثناء الدرس، لكن لم نستطع أن نعرض ذلك، فحديث الجهنميين رواه مجموعة من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، ومنهم أبو هريرة وغيرهم ممن رووا حديث الجهنميين، وحديث الجهنميين رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد في المسند، وروي بألفاظ متعددة، فمن الألفاظ التي روي بها: (أن الله عز وجل يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وهذا لا إشكال فيه عند أهل السنة، فإن المقصود بمثقال الذرة من الإيمان: عمل القلب، فإن عمل القلب هو المقصود بمثقال الذرة، والدليل على ذلك: أن حديث الجهنميين جاء في الصحيح عن أبي هريرة وعن أبي سعيد الخدري وفيه: (إن الملائكة تأخذهم من النار وتعرفهم بآثار السجود)، فهذا يدل على أنهم كانوا من أهل الصلاة، ولهذا عرفتهم الملائكة فأخرجتهم، وهذا ثابت في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم، وهذا يدل على أن مثقال الذرة التي في القلب هي عمل القلب، فإن المؤثر في جوارح الإنسان هو عمل القلب وليس التصديق المجرد، فإن التصديق المجرد لا تأثير له في جوارح الإنسان، وكما قلنا: اليهود وإبليس ونحو هؤلاء كانوا على تصديق لكن ما نفعهم ذلك في جوارحهم، فمثقال الذرة من الإيمان الذي وجد عند الجهنميين هو جزء بسيط من عمل القلب دفعهم إلى الصلاة فأصبحوا من أهل الصلاة، كما دلت عليه رواية أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري وفيها: (أن الملائكة تخرجهم وتعرفهم بآثار السجود) فهؤلاء الجهنميون يخرجهم الله عز وجل من النار، ثم يلقيهم في نهر في الجنة، وجاء في بعض الروايات: (أنه نهر الحياة) بالتاء، وفي بعض الروايات: (أنه نهر الحياء)، وفيه: (أنهم ينبتون على أطراف هذا النهر كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويعرفون بأنهم عتقاء الله سبحانه وتعالى) فهؤلاء من أهل الصلاة، ومثقال الذرة هو عمل القلب الذي لابد منه لكل مؤمن، ومن ليس في قلبه عمل أبداً فهذا ليس بمسلم، وليس من الجهنميين أصلاً، فهذه قضية ينبغي التنبه لها.

وقد ورد في بعض روايات حديث أبي سعيد الخدري وهي رواية عطاء بن يسار أنه قال: (إن الله عز وجل يخرج من النار من لم يعملوا خيراً قط)، فظن بعض الناس أن المقصود بقوله: (لم يعملوا خيراً قط): أنهم ما عملوا شيئاً لا صلاة ولا صياماً ولا حجاً، لا في القلب ولا في الظاهر، وهذا فهم غير سليم، فإن من منهج أهل السنة في الاستدلال: أنه إذا وردت رواية من الروايات تضم إلى غيرها من الروايات الأخرى، وبناءً عليه يكون الفهم الصحيح: أن هذه الرواية: (لم يعملوا خيراً قط) تضم إلى رواية: (أنهم يعرفون بآثار السجود)، وتضم إلى رواية: (يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وحينئذٍ نخلص إلى أن الجهنميين من أهل الصلاة في عملهم الظاهر، ومن أهل عمل القلب في الباطن، وهذا العمل القليل جداً دفعهم إلى الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)، فعلى قدر صلاح هذه المضغة يكون صلاح الجسد، فإذا كان صلاح الجسد بسيطاً يكون الصلاح للمضغة بسيطاً، فلما كان في قلوبهم مثقال ذرة فقط دفعهم هذا إلى الصلاة فقط.

وأما قوله: (لم يعملوا خيراً قط) فإن هذا فسره ابن خزيمة رحمه الله في كتابه (التوحيد) حيث قال: إن هذا من استخدام العرب، فإن العرب تنفي الشيء لانتفاء تمامه وكماله، وذكر بعض النصوص: مثل قول الإنسان لولده: أنت لست بولدي؛ عندما يغضب عليه، وهو في الحقيقة ولده، لكنه يقصد: لست بولدي الطائع، وهذا استخدام عربي دارج، فيمكن بناءً على هذا أن نفهم هذه النصوص مجتمعة، لكن إذا أخذ أحد نصاً واحداً وقال: إنهم ما عملوا خيراً قط، وبناءً عليه كل الأعمال ليست من الإيمان، فهذا فهم فاسد؛ لأنه ترك أحاديث أخرى، وعطل أحاديث أخرى، لكن الجمع بينها تجتمع به الأدلة، ويفهم به النص على وجهه الصحيح، وحينئذ: فإن الجهنميين من أهل الصلاة، وليسوا -كما يظن الأخ- تاركين للصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>