ادعاء المرجئة أن الاستغاثة بغير الله والذبح والنذر لغير الله والطواف حول القبور ونحوها ليست شركاً
وترتب على هذه القضية أن هؤلاء لا يرون الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك؛ لأنهم يقولون: إن المستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله يعتقد أن الله خالق ورازق، وإذا كان كذلك فقد جاء بالتوحيد وجاء بالإيمان.
وترتب على هذا أن الذبح -والذبح عمل- لغير الله ليس بشرك عندهم، وترتب على هذا أن النذر لغير الله ليس بشرك، وترتب على هذا أن الطواف حول القبور ليس بشرك، وقد صرح بهذه القضية علماء المرجئة، وهم علماء الكلام في زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وحصلت المصادمة الشديدة بين أهل السنة من جهة والمرجئة من جهة أخرى في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وكان الصدام قديماً بين أهل السنة من جهة والمرجئة من جهة صداماً علمياً، وكان يحصل بينهم الصدام في كثير من الأشخاص، فمثلاً: ابن عربي هل هو مسلم أو ليس بمسلم؟ والحلاج هل هو مسلم أو ليس مسلم؟ وتجد أن علماء أهل السنة يخرجونهم من الإسلام بكفرياتهم، بينما علماء الكلام من الأشاعرة والمرجئة هؤلاء لا يخرجونهم من الإيمان؛ لأنهم مصدقون عندهم.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت دعوة عملية مارس فيها الجهاد، ومارس فيها أحكامه، ومارس فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملياً، فتصادم مع هؤلاء، ولهذا اتهموه بأنه من الخوارج، واتهموه بأنه يكفر المسلمين، وهذه الاتهامات ما جاءت عن فراغ، ولم يتهموا الرجل مباشرة، وإنما اتهموه لأنه يخالف عقائدهم؛ فهو يرى أن التوحيد قول وعمل، وهم يرون أن التوحيد قول فقط، وأن التوحيد تصديق بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت والتصديق بأسمائه وصفاته على عقيدتهم التي يعتقدون، لكن العمل ليس داخلاً في التوحيد كما أنه خارج عن الإيمان، وكما صرحوا بأن العمل خارج عن الإيمان كذلك صرحوا بأن العمل خارج عن التوحيد، فهم مرجئة في الإيمان ومرجئة في التوحيد، فتصادموا مع الشيخ وقالوا: هذا من الخوارج، وهذا يكفر المسلمين، وهذا أدخل في المكفرات ما ليس منها، وقالوا: إن هذا حروري، يعني: نسبة إلى حروراء، وهي قرية خرج منها الخوارج في بداية أمرهم.
ولا يزال الخلاف قائماً إلى اليوم بين أهل السنة الذين هم أتباع الدعوة السلفية وبين هؤلاء المتصوفة والأشاعرة، ما زال الخلاف قائماً إلى اليوم في هذه المسألة، ويمكن أن أضرب لكم نماذج في الخلاف في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يرى أن الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك، ويرى -مثلاً- أن قول: مدد يا عبد القادر شرك، والشرك معناه: أن صاحبه يخرج من الإسلام، يعني: يكفر؛ لأن الكفر والشرك بابان لحقيقة واحدة، وكلاهما يجتمعان في مكان واحد وهو الخروج عن الإسلام.
فالشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول: الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك، ويقول الشيخ: إن قول: مدد يا عبد القادر! أو ممارسات الصوفية الموجودة في طبقات الشعراني مثلاً أو الموجودة في كتبهم السابقة من استغاثة بغير الله وطلب المدد وطلب مغفرة الذنوب من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من أحد من الصالحين والأولياء يقول الشيخ: هذا شرك يخرج عن الإسلام، وصاحبه تقام عليه الحجة فإن أبى وعاند يقاتل مقاتلة الكفار.
وأما المرجئة فيقولون: لا، هؤلاء مسلمون، وهؤلاء ليسوا كفاراً، ولهذا صنف أحدهم -وهو يوسف بن إسماعيل النبهاني، وهو من أئمتهم في بلاد الشام في تلك الفترة- كتاباً سماه: (شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق) وحشد فيه من الاستغاثات بالرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه أكبر مشرك، وهذا لاشك فيه، وقد رد على النبهاني الشيخ: محمود شكري الألوسي في كتاب سماه (غاية الأماني في الرد على النبهاني) وطبع الكتاب أول ما طبع باسم مستعار باسم عبد الله السندي؛ لأنهم كانوا في تلك الفترة في زمن الدولة العثمانية، وكانت الدولة العثمانية حامية لمثل هؤلاء ومدافعة عنهم؛ لأنها كانت على طريقة الماتريدية وعلى طريقة أئمة الصوفية في تلك الفترة، لاسيما أواخر الدولة العثمانية، فكتبه بالبداية باسم مستعار، ثم بعد ذلك لما سنحت له الفرصة أخرجه باسمه الصريح، وهو كتاب مطبوع وموجود الآن اسمه (غاية الأماني في الرد على النبهاني).
وكذلك ألف أحمد زيني دحلان -وقد كان مفتي الشافعية في مكة- كتاباً سماه: (الدرر السنية في الرد على الوهابية) والدرر السنية هذا الذي هو في الرد على الوهابية رد عليه أيضاً أحد أهل السنة بكتاب سماه (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) وهو كتاب مطبوع وموجود، وهؤلاء يدعون إلى هذه العقيدة التي سبق أن ذكرناها والتي فيها أن الذبح لغير الله ليس شركاً عندهم، والنذر