جهدا ومشقة بالغة! وما كان خبر السماء يهبط به أمين الوحي جبريل فيصل عالم الغيب بعالم الشهادة إلا أمرا بالغ الخطر عظيم الشأن ... هيأ الله تعالى له نبيّه وأعدّه لاستقباله؛ مصداقا لقوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [سورة الأنعام، الآية ١٢٤]!
وإن كان في وسعنا أن نقول: إن الجانب الروحي أو الغيبي كان هو مناط هذا الاتصال في شخص النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ سواء أقلنا إن النبيّ مهيأ لمثل هذا الاتصال على الدوام وبدون ارتفاع أو ارتقاء روحي خاص في حالة نزول الوحي .. أم قلنا بمثل هذا الارتقاء أو الدخول في صورة ملائكية أو غيبية .. في حالة نزول الوحي حتى يتمكن النبيّ الكريم من التلقي عن عالم الغيب ومن أمين السماء! كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء والباحثين .. ونحن نرى أننا لسنا بحاجة إلى كل هذه الفروض في الوقت الذي حددت فيه الآيات السابقة محل النزول أو مناطه، وهو قلب النبيّ الكريم: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)[سورة الشعراء، الآيات ١٩٣ - ١٩٤].
وفي الوقت الذي صوّر فيه النبيّ نفسه- عليه الصلاة والسلام- صوت الوحي في هذه الحالة بأنه مثل صلصلة الجرس ... إيذانا ببدء الوحي، أو إشارة إلى أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يسمع أصواتا سريعة ومتوالية من عالم الغيب، فيستغرق في انقطاع روحي، أو روحانية غيبية يجد معها من شدة الوحي ووطأته ما يجعل راحلته تبرك به إلى الأرض وقد كان راكبها! وقد جاءه الوحي مرة وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت أن ترضّها! وصدق الله العظيم حين خاطب نبيّه في سورة المزمّل- وهي من أوائل ما نزل عليه من القرآن-: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥) وربما سمع الحاضرون صوتا عند وجه