النبوة، وعلى أن كل مقام سوى مقام الخالق جلّ وعلا، داخل في باب العبودية لله، والخضوع لربوبيته ... وإن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء الكرام يتقدمون هذا الركب بوصفهم العباد المصطفين الأخيار.
كما يدل النص القرآني كله، وبوضوح كامل على أن محمدا صلى الله عليه وسلم في مقام التلقي عن الله تعالى.
(هـ) وأخيرا، فإننا قد نهتدي بقليل من التأمل إلى ملاحظة عدم انفعال القرآن بالأغراض التي ينفعل لها الأنبياء، فضلا عن سائر الناس، كما لا تعرض للذات الإلهية، التي يلمحها القارئ من خلاله، الحالات النفسية التي تعرض لهم! فلقد اغتمّ النبيّ- صلوات الله وسلامه عليه- على سبيل المثال- وأصابه الحزن والألم بسبب إعراض قومه عن الهداية وإصرارهم على تنكب طريق الوحدانية ... حتى خاطبه الله تعالى بقوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [سورة فاطر، الآية ٨].
ولكننا إذا عدنا إلى استعراض مزاعم المشركين والكفار في الله سبحانه وتعالى، ورأينا عبادة بعضهم للأصنام، وآخرين للعجل، وغيرهم للكواكب أو للشمس والقمر! إلى جانب ما رموا به أنبياء الله ورسله، وقالوا في ملائكته ..
وتأملنا في الوقت ذاته ردود القرآن على هذه المفتريات، وتفنيده لهذه المزاعم والترهات .. لرأينا في ذلك كله قوة إلهية تؤثر ولا تتأثر! وذاتا علوية «تصف لك الحقائق
خيرها وشرها، في عزة من لا ينفعه خير، واقتدار من لا يضره شر» (١) سبحانه وتعالى.
(١) راجع كتاب النبأ العظيم ص ١٢٠ للعلامة الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله.