ومن هنا، فإن في وسعنا أن نقول في خاتمة المطاف؛ تلخيصا لهذا الجانب كله (أحوال النبيّ صلى الله عليه وسلم مع ظاهرة الوحي) وتعقيبا عليه:
إن أية دراسة نفسية تحليلية لموضوع القرآن الكريم تدلّنا على مصدره، وعلى صدق ظاهرة الوحي. وأكتفي هنا بذكر شاهد واحد من مئات الأدلة والشواهد التي يمكن أن ترد أو تلاحظ في هذا الباب:
جاء في حديث أبي هريرة الذي رواه الحافظ البزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «وقف على حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر إلى منظر أوجع لقلبه منه، فنظر إليه وقد مثّل به فقال: «رحمة الله عليك إن كنت ما علمتك إلا وصولا للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك لسرّني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع- أو كلمة نحوها- أما والله على ذلك لأمثّلنّ بسبعين كمثلتك، فنزل جبريل- عليه السلام- على محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)[سورة النحل: ١٢٦ - ١٢٨]؟
الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقف على جثة عمه حمزة وقد مثّلت بها هند ... إنه لم يفقده أسدا هصورا يذود عن دين الله وعن نبيّ الإسلام فحسب ..
بل فقده في هذا اليوم على هذه الهيئة التي تنمّ عن غدر قاتله وحقد من مثّلت به، فبقرت بطنه ولاكت كبده!! فضاق بالنبيّ صدره، وملكه الحزن والألم. فقال:
«لأمثلنّ بسبعين كمثلتك» - ورأس حمزة لا تعدله سبعون من رءوس القوم، وهم الذين بدءوا العدوان أول مرة!! -.
هذا قول النبيّ الذي يعبّر عن شعوره في ذلك الموقف الغائظ الموجع ...