(الواقعية) في هذه الأحكام والتشريعات، بمعنى نفي الطوباوية عنها، أو نفي المثالية التي ليست أكثر من رؤيا في عالم الخيال، أو رسما على الورق أو في الفراغ، كما فعل بعض الفلاسفة على سبيل المثال. وحين يتأمل المرء هذا القدر يجد أنه قام على بيان أحوال نابعة من طبيعة الإنسان، أو «مفصّلة عليه»، إن صح التعبير، بغض النظر عن ملابسات الزمان والمكان والأشخاص، أي أنه قدم نماذج إنسانية، وصورة ما يجب أن تكون عليه هذه النماذج إلى يوم الدين. ومن هنا جاءت عبارة الأصوليين المشهورة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وفي وسعنا أن نفهم سبب النزول- في ضوء هذه الملاحظات- على أنه المناسبة التي استدعت ظهور الحكم، ووضعه موضع التطبيق، أي بداية توقيت العمل به ... في نسق هدم أوضاع الجاهلية، وبناء أحكام الإسلام في النفس والمجتمع ... يوما بعد يوم، أو طيلة عصر التنزيل.
وغني عن البيان أن أحداث السيرة ووقائع الجماعة الإسلامية الأولى- التي أشرنا إليها في النقطة الأولى السابقة- ليست داخلة في نطاق أسباب النزول بهذا المفهوم، أو بمفهوم (الواقع) الذي قيل فيه ما قيل! لأنها قضية تسجيلية في المقام الأول، أقرب ما تكون إلى حديث القرآن الكريم عن تاريخ الأنبياء والأمم السابقين.
وحين تناولت الآيات الكريمة من هذه الأحداث والوقائع جوانب أخرى متصلة بالواقع، بالمعنى المشار إليه أو المتحدث عنه، لم يأت هذا التناول استجابة للواقع أو تبريرا له، ولكنه جاء- كما قلنا في هذه النقطة- تصحيحا وتقويما لحركة التطبيق والتنفيذ. بل يمكن القول إن أحداث السيرة بوصفها جزءا من (التاريخ) واكبت الوحي ومشت
في ركابه طيلة عصر التنزيل الذي نتحدث عنه كدليل على أن (الوحي) أو الثقافة بمعناها الشامل هي التي صنعت التاريخ وليس العكس. ولا يتسع المقام هنا لبسط القول في هذه النقطة التي توضح العلاقة بين