للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مختلفة ومتغايرة الصورة، وكان الناس قد أجازوا أن يكتب كل واحد منهم بما هو عادته، وما هو أسهل وأشهر وأولى، من غير تأثيم ولا تناكر، علم أنه لم يؤخذ في ذلك على الناس حد محدود مخصوص، كما أخذ عليهم في القراءة، والسبب في ذلك أن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والعقود والرموز. فكل رسم دال على الكلمة مقيد بوجه قراءته، تجب صحته وتصويب الكاتب به على أية صورة كانت. وبالجملة فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه وأنّى له ذلك) (١).

هذه أقوال الفريقين ويظهر أن القول بتوقيف الرسم هو الأولى بالقبول.

قال البيهقي: من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيه، ولا يغيّر مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا، وأعظم أمانة منّا، فلا ينبغي أن نظنّ بأنفسنا استدراكا عليهم (٢).

نص الإمام مالك على أنه لا توضع المصاحف إلّا على وضع كتابة الإمام يعنى عثمان بن عفان.

وقال الإمام أحمد: (تحرم مخالفة خط مصحف عثمان واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك) (٣).

بقي القول في حكم كتابة بعض آيات القرآن استشهادا أو كتابتها على اللوح للتعليم أو غير ذلك مما يكتب في غير المصاحف.

أقول: هذا جائز لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين أمر كتّابه أن يكتبوا للملوك والرؤساء كانت كتابتهم على رسم الكتابة الاعتيادية، وعلى غير الرسم الذي كانوا يكتبون به المصاحف التي يكتبون فيها القرآن حين نزوله، مع أن المملي واحد والكتّاب هم هم، فالرسم القرآني يجب التزامه في كتابة المصحف وحده دون غيره، ولا يقاس عليه لأنه أمر توقيفي لغير علة فلا يدخله القياس.


(١) الإبريز ص ٥٩.
(٢) الإتقان ٢/ ١٦٧.
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>