وجدت قرينة تدل على ذلك فإنها تنصرف إلى المعطوف فقط دون المعطوف عليه، كما في قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢].
فكلمة صفّا حال تخص المعطوف (والملك) دون المعطوف عليه (ربّك). وكما في قوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً .. [الأنبياء: ٧٢].
فإن نافلة حال من يعقوب، أي من المعطوف دون المعطوف عليه.
٣ - وأوضح دليل على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل القرآن ما روي عن ابن عباس في هذه الآية أنه كان يقول:(أنا ممن يعلم تأويله) وهو يصدق دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم له: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»(١). ونسبة هذا القول لابن عباس، أي: العلم بالمتشابه أصح سندا من نسبة القول السابق إليه، أي عدم العلم بالمتشابه.
كما روي عن مجاهد أنه كان يقول بمثل قول أستاذه ابن عباس في العلم بالمتشابه.
٤ - إن ذكر الراسخين في العلم في هذه الآية كان لمزية عن سائر الناس، وهذه الميزة لا تكون إلّا إذا كان لهم علم بالمتشابه.
على أن جملة (يقولون آمنا به) مع ذلك لا يتعين أن تكون حالا، بل يجوز أن تكون مستأنفة استئنافا بيانيا، أي: واقعة في جواب سؤال مقدر كأن قائلا قال: (ما حال أولئك الراسخين الذين شرفوا من دون سواهم من الخلق بعلم تأويل المتشابه، هل غرّهم علمهم هذا أم لم يعطوا هذا العلم حقه فأنكروا مقتضاه أم ماذا؟! فكان الجواب: يقولون آمنا به .. إلخ، وعلى هذا التأويل فهم يعلمون كذلك تأويل المتشابه، هذا كله على كون الواو للعطف.
(١) رواه أحمد في مسنده ٤/ ١٢٧ ح ٢٣٩٧ ولفظه «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل» وإسناده صحيح، والحديث في مجمع الزوائد ٩/ ٢٦٧، وعزاه لأحمد والطبراني.