للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي محاولة يائسة لحل هذا التناقض يقول الأب متى المسكين: "وهذا اللبس ربما لأن القديس متى لم يحسب السبت في الوسط، أما القديس لوقا فحسبه وحسب اليوم الذي تكلم فيه القديس بطرس عن استعلان المسيح". (١)

ولا إخال القارئ إلا مدركاً أن ما قدم له الأب المسكين بقوله: "ربما" إنما هو محض تخرص وتخيل لا أساس له، وكان الأولى به الإقرار بأن أحد الإنجيليين قد أخطأ في روايته.

[هل تبرر إبراهيم بالإيمان فقط؟]

ولعل من أهم صور التناقض بين كتبة العهد الجديد اختلافهم في أهمية العمل للحصول على البر، مع اتفاقهم على أهمية الإيمان، فبولس يقلل من أهمية العمل، ويراه غير ذي فائدة عند الله، ويستدل لصحة مذهبه ببرارة إبراهيم عليه السلام بالإيمان قبل اختتانه والتزامه بالشريعة، ويرى أن الأعمال إنما هي أجرة سداد لدين البرارة التي منحها الله له، فيقول: "لأنه إن كان إبراهيم قد تبرر بالأعمال فله فخر. ولكن ليس لدى الله. لأنه ماذا يقول الكتاب: فآمن إبراهيم بالله فحُسب له براً.

أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة، بل على سبيل دين. وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً، كما يقول داود أيضاً في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال .. أفهذا التطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضاً؟ لأننا نقول: إنه حسب لإبراهيم الإيمان براً. فكيف حسب؟ أوَهو في الختان أم في الغرلة؟ ليس في الختان بل في الغرلة" (رومية ٤/ ٢ - ٦)، فالإيمان دون العمل هو طريق البر، وكما تبرر إبراهيم به يتبرر المؤمنون، هذا هو مذهب بولس "الإنسان يتبرر بالإيمان، بدون أعمال الناموس " (رومية ٣/ ٢٧ - ٢٨).


(١) الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (٥٠٢).

<<  <   >  >>