ولقد يتساءل المرء أين وقع التحريف في الأناجيل؟ هل وقع من الإنجيليين وأصحاب الرسائل، أم من النساخ الذين تصرفوا في النصوص حسب أهوائهم وعقائدهم، أم من أولئك الذين أضافوا القداسة للكتب الشخصية التي خطها الحواريون، أم من ذلك كله؟ ولعل الأخير هو أولاها بالصواب.
أولاً: تحريف الإنجيليين: هل كان الإنجيليون أمناء في النقل عن بعضهم؟
أصبح من المسلم به - كما أسلفنا - أن لوقا نقل ما نسبته ٥١% من فقرات إنجيل مرقس، بينما نقل متى ما نسبته ٩٠% من محتويات إنجيل مرقس. فهل كان متى ولوقا أمينان في نقلهما عن مرقس، أم كانا يتصرفان بنص مرقس كما يحلو لهما؟
الحقيقة البينة أن كلا الاثنين تصرف برواية مرقس حسب ما تبدى له، وخاصة متى الذي كان يضخم دائماً فيما ينقله من أحداث ينقلها من رواية مرقس، لتناسب غلوه في شخص المسيح أو لتحقق نبوءة توراتية لم تحققها رواية مرقس، وذلك يظهر من أمثلة كثيرة ذكرها المحققون، منها:
- يقول مرقس عن المصلوب:" أعطوه خمراً ممزوجةً بمر "(مرقس ١٥/ ٢٣).
لكن متى نقل عن مرقس وغيّر، فقال:" أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة "(متى ٢٧/ ٣٤)، ومن المعلوم أن الخل غير الخمر.
ولقد قصد متى من هذا التغيير أن يحقق النبوءة التوراتية المزعومة " يجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً "(المزمور ٦٩/ ٢١)، فأبدل كلمة الخمر التي كتبها مرقس بالخل.
- يقول مرقس:" إن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي "(مرقس ٣/ ٣٥).