للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي: تختلفُ مذاهبُ طُلَّابِ الحديث في هذا:

فمنهم مَن لا يقتصرُ على أنْ يسمعَ الحديثَ مِن المُحَدِّث، وهو على أنْ يَسمعَه مِن المُحَدِّث قادرٌ، فتَنْزِعُ (١) نفسُه (٢) إلى لقاءِ الأعلى، والسَّماعِ منه بالمُشاهدة إنْ كان دانيَ الدَّار، وبالرِّحلة إليه إذا كان بعيدَ الدَّار.

ومنهم مَن لا يَشتغل بالرِّحلة إذا حَصَل له الحديثُ عمَّن يرتضيه، تَنَزَّلَ في الحديث أو تعالى فيه.

وأهلُ النَّظَر في ذلك أيضًا (٣) مختلفون:

فمنهم مَن يقول: التَّنَزُّل في الإسناد أفضلُ؛ لأنَّه يجب على الراوي أنْ يجتهدَ في مَتْن الحديثِ وتأويلِه، وفي الناقل وتعديلِه، وكلَّما زادَ الاجتهادُ زادَ صاحبُه ثوابًا (٤)، ................................................


(١) في ي: «فينزع» وضبط «نفسه» بالنصب، والمثبت من ظ، س، ك، أ.
(٢) تنزع نفسه: تشتاق. «المصباح المنير» (ن ز ع).
(٣) قوله: «في ذلك أيضًا» وقع في س، أ: «أيضًا في ذلك»، والمثبت من ظ، ك، ي.
(٤) نقل ابن الصلاح في «المقدمة» (ص: ٤٤٨) معنى هذا الكلام وعزاه إلى هذا الكتاب، ثم قال: «وهذا مذهب ضعيف، ضعيف الحجة، وقد روِّينا عن علي بن المديني، وأبي عمرو المستملي النيسابوري أنهما قالا: «النزول شؤم»، وهذا ونحوه مما جاء في ذم النزول، مخصوص ببعض النزول؛ فإن النزول إذا تعيَّن دون العلو طريقًا إلى فائدة راجحة على فائدة العلو، فهو مختار غير مرذول. والله أعلم» اهـ.
ونقل العراقي في «شرح التبصرة والتذكرة» (٢/ ٦٠) عن ابن دقيق العيد أنه قال: «لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، قال: ومراعاة المعنى المقصود من الرواية، وهو الصحة أولى».

ثم قال العراقي: «قلت: وهذا بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقًا بعيدة لتكثير الخطا، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود، وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته وبُعد الوهم، وكلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل، وكلما قصر السند كان أسلم، اللهم إلا أن يكون رجال السند النازل أوثق، أو أحفظ، أو أفقه، ونحو ذلك». وينظر: «بغية الملتمس» للعلائي (ص: ٤٠).

<<  <   >  >>