للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال المُعَارِضُ لصاحبِ هذا الكلام: تهيَّبوا كَدَّ الطَّلَبِ (١) ومُعَالَجةَ السَّفَرِ، وبَعِلُوا (٢) بحِفظِ الآثار، ومعرفةِ الرِّجال، واختلفَت عليهم طرائقُ الأسانيد، ووجوهُ الجرح والتعديل، فآثروا الدَّعَةَ (٣)، واستلذُّوا الرَّاحَةَ، وعادَوْا ما جَهِلوا، وعلى المَطامع تألَّفُوا، وفي المآثِم والحُطام تنافَسُوا، وتباهَوْا في الطَّيَالِس والقَلَانِس (٤)، ولازَمُوا أَفْنِيةَ المُلوكِ، وأبوابَ السَّلَاطين، ونَصَبُوا المَصايدَ لأموالِ الأيتام، والإغارةِ على الوُقُوف والأوساخ (٥)، واقتصَروا على ابتياعِ صُحُفٍ دَرَسُوها، واستعَدُّوا الشَّغَبَ عليها.

فإنْ حَفِظَ أحدُهم (٦) في السُّنَن شيئًا فمِن صحيفةٍ مُبْتاعةٍ، كفاه غيرُه مَئُونةَ جمعِه وشرحِه وتبويبِه، مِن غير روايةٍ لها، ولا درايةٍ بوزن مَن نقلَها، فإنْ تَعَلَّقَ بشيء منها (٧) يسير، خَلَط الغثَّ بالسَّمِين، والسَّلِيمَ بالجَرِيح، ثم فَخَّمَ ما لفَّقَ مِن المسائل ما شاء، وإنَّها والسُّنَنَ المأثورةَ ضِدَّان، فإنْ قُلِبَ عليه إسنادُ حديثٍ


(١) الكد: الشدة والتعب. «مختار الصحاح» (ك د د).
(٢) في حاشية س: «وبعلوا: بُهتوا»، وبعل، بفتح فكسر، يقال: بعل فلان بأمره، إذا دَهِش وفَرِق وبَرِم وعَيِيَ، وثبت مكانه ثبوت النخل في مقره فلم يدر ما يصنع. «تاج العروس» (ب ع ل).
(٣) الدَّعة: الراحة. «المصباح المنير» (ود ع).
(٤) الطيالس: جمع طيلسان، وهو كساء أخضر يضعه بعض العلماء والمشايخ على الكتف. والقلانس: جمع قلنسوة، وهو غطاء للرأس. «معجم اللغة العربية المعاصرة» (ط ي ل س ان، ق ل ن س).
(٥) لعله يريد بالأوساخ: أموال الصدقة؛ فإنها أوساخ الناس، كما صحَّ في الحديث، والله أعلم.
(٦) في حاشية أ مصححًا عليه: «أخذهم»، وكتب بجانبه: «كذا في المقابَل بأصل الدمياطي» , والمثبت من ظ، س، ك، أ، ي.
(٧) «منها» ليس في س، وأثبته من ظ، ك، أ، ي.

<<  <   >  >>