للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ قال: ووَكَّلَ بالآثار المُفَسِّرةِ للقرآن والسُّنَنِ القويَّةِ الأركانِ، عِصابةً مُنْتَجَبةً (١)، وفَّقَهم (٢) لِطِلَابِها وكِتابِها، وقوَّاهم على رِعايتِها وحِراستِها، وحبَّب إليهم قراءتَها ودراستَها، وهَوَّن عليهم الدَّأَبَ (٣) والكَلَالَ (٤)، والحَلَّ والتَّرْحال، وبَذْلَ النَّفْس مع الأموال، وركوبَ المَخُوف مِن الأهوال، فهم يَرْحَلون مِن بلادٍ إلى بلاد، خائضين من العِلم في كلِّ وادٍ، شُعْثَ الرءوسِ، خُلْقانَ الثيابِ، خُمْصَ البطونِ، ذُبْلَ الشِّفَاهِ، شُحْبَ الألوان، نُحْلَ الأبدان (٥).

قد جعلوا الهَمَّ (٦) همًّا واحدًا، ورضُوا بالعِلم دليلًا ورائدًا، لا يَقْطعُهم عنه جوعٌ ولا ظمأٌ، ولا يُمِلُّهم منه صيفٌ ولا شتاءٌ، مائزين الأثرَ: صحيحَه مِن سقيمِه، وقويَّه مِن ضعيفِه، بألبابٍ حازمةٍ، وآراءٍ ثاقبةٍ، وقلوبٍ للحقِّ واعيةٍ، فأَمِنَتْ تمويهَ المُمَوِّهِين، واختراعَ المُلْحِدين، وافتراءَ الكاذبين.


(١) المنتجب، على صيغة المفعول: المختار من كل شيء. «تاج العروس» (ن ج ب).
(٢) في ج: «وفقههم»، والمثبت من ظ، س، ك، أ، ي، حاشية ج منسوبًا لنسخة.
(٣) الضبط بفتح الهمزة من س، وضبطه في أ بالفتح والسكون وكتب فوقه: «معًا»، وكلاهما جائز.
والدأب: هو الجد والتعب. وينظر: «تاج العروس» (د أ ب).
(٤) الكلال: الإعياء. «تاج العروس» (ك ل ل).
(٥) شُعث الرءوس: رءوسهم مغبَّرة، وشعرهم منتتف. خُلقان الثياب: ثيابهم بالية. خُمص البطون: جياع. ذُبل الشفاه: جفَّت من العطش والتعب. شُحب الألوان: تغيَّرت من الجهد والجوع والسفر. نُحل الأبدان: ضعيفة هزيلة. «مختار الصحاح» (خ م ص، خ ل ق، ن ح ل)، و «تاج العروس» (ش ح ب، ش ع ث)، و «معجم اللغة العربية المعاصرة» (ذ ب ل).
(٦) في ظ: «لهم»، والمثبت من س، ك، أ، ي.

<<  <   >  >>