للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القاضي: وليس للراوي المُجَرَّد أنْ يتعرَّضَ لِمَا لا يَكْمُل له، فإنَّ تركَه ما لا يَعْنِيه أولى به وأَعْذرُ له، وكذلك سبيلُ كلِّ ذي عِلْمٍ.

وكان حَرْب بن إسماعيل السِّيرْجَاني (١)، قد أكثر مِن السماع وأَغفل الاستبصارَ، فعمل رسالةً سمَّاها «السُّنَّة والجماعة» تَعَجْرف فيها، واعترض عليها بعضُ الكَتَبة من أبناء خُراسان ممَّن يتعاطى الكلامَ، ويُذكر بالرِّيَاسة فيه والتقدُّم، فصنَّفَ في ثَلْب رُواة الحديث كتابًا (٢)،

تَلَقَّطَ (٣) فيه مِن كلام يحيى بن مَعِين وابن المَدِيني، ومِن كتاب «التَّدليس» للكَرَابيسي (٤)،

وتاريخ ابن أبي


(١) ضبطه في س بفتح الراء، والضبط بسكون الراء من أ، وكذا قيده السمعاني في «الأنساب» (٧/ ٣٤١). والسيرجاني هذا هو الإمام العلامة الفقيه أبو محمد حرب بن إسماعيل الكرماني، تلميذ أحمد بن حنبل، توفي سنة (٢٨٠ هـ). وسيرجان، بكسر السين: مدينة بين كرمان وفارس. وينظر: «سير أعلام النبلاء» (١٣/ ٢٤٤)، و «معجم البلدان» (٣/ ٢٩٥).
(٢) وهذا الذي اعترض على رسالة حرب، وطعن في أهل الحديث، هو أبو القاسم البلخي الكعبي المعتزلي الهالك سنة (٣١٩ هـ)، نقل ياقوت في «معجم البلدان» (٣/ ٢٩٦) عن بعض أهل العلم أنه قال: «حرب بن إسماعيل لقي أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - وصحبه، وله مؤلفات في الفقه، منها كتاب «السنة والجماعة»، شتم فيه فِرَق أهل الصلاة، وقد نقضه عليه أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي» اهـ.

ولعل كتابه هذا الذي أشار إليه المصنف هو كتاب «قبول الأخبار ومعرفة الرجال»، وهو مطبوع بدار الكتب العلمية، وقد رأيته طعن فيه على أهل الحديث بما فيهم الصحابة - رضي الله عنه - ت، فبئس ما صنع، والله الموعد.
(٣) في ي: «تلفظ»، ومحتمل للوجهين في ظ، والمثبت من س، ك، أ، ج.
(٤) قال ابن حجر في ترجمة أبي القاسم البلخي المعتزلي من «لسان الميزان» (٤/ ٤٢٩): «واشتمل كتابه في المحدِّثين على الغض من أكابرهم، وتتبُّع مثالبهم، سواء كان ذلك عن صحة أم لا، وسواء كان ذلك قادحًا أم غير قادح، حتى إنه سرد كتاب الكرابيسي في المدلِّسين، فأوهم أنَّ التدليس بأنواعه عيب عظيم، وحسبُك ممن يَذكر شعبة فيمن يُعدُّ كثير الخطأ، وعقد بابًا أورد فيه مما يروونه مما ليس له معنى بزعمه، وبابًا فيما يروونه متناقضًا لسوء فهمه» اهـ.

وكتاب «التدليس» عابه جمعٌ من أهل العلم على الكرابيسي وذموه، كأحمد بن حنبل وأبي ثور؛ لِمَا فيه من الطعن على أهل الحديث، وفي ذلك يقول ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (٢/ ٨٩٣): «وقد تسلَّط بهذا الكتاب طوائف من أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في الطعن على أهل الحديث، كابن عباد الصاحب ونحوه، وكذلك بعض أهل الحديث ينقل منه دسائس، إما أنه يخفى عليه أمرها، أو لا يخفى عليه، في الطعن في الأعمش ونحوه، كيعقوب الفسوي وغيره» اهـ.

<<  <   >  >>