للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا تناهى العُمُر بالمحدِّث، فأعجبُ إليَّ أنْ يُمْسِكَ في الثمانين، فإنَّه حدُّ الهَرَم، والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن أَولى بأبناء الثمانين، فإنْ كان عقلُه ثابتًا ورأيُه مجتمِعًا، يعرف حديثَه ويقوم به، وتحرَّى أن يُحدِّثَ احتسابًا رجوتُ له خيرًا (١)، كالحَضْرَمي، وموسى، وعَبْدان (٢)، ولم أرَ بفهم أبي خَلِيفة (٣) وضبطِه بأسًا (٤)

مع سِنِّه (٥).


(١) قوله: «وتحرى» أي: تعمَّد وتطلَّب ما هو أحرى، أي: أجدر وأولى بالاشتغال، والمعنى أنه اجتهد في الإمساك والتحديث، فرأى التحديث أولى به. وقوله: «احتسابا» أي: من غير أجرة، بل طلبًا للثواب. وقيَّده بذلك؛ لأنه إذا قبِل بجواز أخذ الأجرة وحدَّث في هذا السن بالأجرة خيف عليه التساهل لأجلها، مع تساهل الآخذ رغبة في العلو. «النكت الوفية» (٢/ ٣١٨).
(٢) الحضرمي: هو محمد بن عبد الله مطين، وموسى: هو ابن هارون الحمَّال، وعبدان: هو ابن أحمد الجواليقي، ثلاثتهم من شيوخ الطبراني وابن عدي. كما في «النكت الوفية» (٢/ ٣١٩)، ونحوه في حاشية ك.
(٣) قال ابن حجر: «وإنما أخره لشيء ما قيل في ضبطه». وأبو خليفة هو الفضل بن الحباب الجمحي البصري، محدث البصرة من شيوخ ابن حبان وابن خلاد الرامهرمزي، كان من المعمرين المكثرين الصادقين العارفين، عاش مائة سنة غير أشهر، ومات في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثمائة. «النكت الوفية» (٢/ ٣١٩).
(٤) في المطبوعة: «ناسًا» خطأ، والمثبت من جميع النسخ ..
(٥) قال ابن الصلاح في «المقدمة» (ص: ٤٢١): «ووجه ما قاله -يعني الرامهرمزي- أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال، وألا يُفطن له إلا بعد أن يخلط، كما اتفق لغير واحد من الثقات، منهم: عبدالرزاق، وسعيد بن أبي عروبة، وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن، فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة، منهم: أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وعبدالله بن أبي أوفى من الصحابة، ومالك، والليث، وابن عيينة، وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة، وأبو القاسم البغوي، وأبو إسحاق الهجيمي، والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين. والله أعلم». وينظر: «الإلماع» (ص: ٢٠٤ وما بعدها)، و «فتح المغيث» (٣/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>