للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديثُ لا يُضْبَط إلَّا بالكِتاب، ثم بالمُقابلة، والمُدارسة، والتَّعَهُّد، والتَّحَفُّظ، والمُذاكرة، والسُّؤال، والفَحْص عن الناقلين، والتَّفَقُّه بما نقلوا.

وإنَّما كَرِه الكتابَ مَن كَرِهَ مِن الصَّدْر الأول؛ لقُرْب العَهْد، وتقارُب الإسناد؛ ولِئَلَّا يعتمدَه الكاتبُ فيُهْمِلَه، أو يرغبَ عن تَحَفُّظِه والعمل به.

فأمَّا والوقتُ مُتَباعِد، والإسنادُ غيرُ مُتَقارِب، والطُّرقُ مختلفةٌ، والنَّقَلةُ متشابهون، وآفةُ النِّسيان معترِضةٌ، والوَهْم غيرُ مأمون؛ فإنَّ تقييدَ العِلْم بالكتاب أولى وأشفى، والدليلُ على وجوبِه أقوى، وحديثُ أبي سعيد: «حَرِصْنا أنْ يَأْذَنَ لنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الكِتابِ فأَبى»، فأحسبُه -إنْ (١) كان محفوظًا- في أول الهجرة، وحين كان لا يؤمَن الاشتغالُ به عن القرآن.

قال القاضي: قال (٢) أبو زُرْعة الرازي أو غيره -وذُكِر الحِفظُ (٣) - فقال: يزعمون أنَّ حمَّادا قَلَّتْ كُتبُه، وأنَّ هشامًا الدَّسْتَوائي (٤) ما كتب شيئًا، وأنَّ الزُّهْريَّ قال: «ما خَطَطْتُ سوداءَ في بيضاءَ إلَّا نَسَبَ قومي» (٥)، وما كان الزُّهْري


(١) قوله: «فأحسبه إن» في المطبوعة: «أحسب أنه» وهو خطأ وتصرف من المحقق أفسد المعنى، والمثبت من جميع النسخ.
(٢) «قال» ليس في ي، وأثبته من ظ، س، ك، أ.
(٣) الضبط على صيغة المبني للمجهول من ظ، س، وضبطه في أ، ي على صيغة المبني للمعلوم.
(٤) قيده بالهمزة والنون في أ وكتب فوقه: «معًا»، والمثبت من ظ، س، ك، ي، والوجهان صحيحان. ينظر: «شرح مسلم» للنووي (٣/ ٦٠).
(٥) أخرج أبو زرعة الدمشقي في «تاريخه» (ص: ٤١٠) عن ابن حيويل أنه قال: لم يكن للزهري كتاب إلا كتابًا فيه نسب قومه.

<<  <   >  >>