للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(تتمة) قال الزين ابن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي, ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقًا.

والجواب: أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم - عند ثنائهم بالخير والشر: "وجبت" و"أنتم شهداء الله في الأرض" (١) ولم ينكر عليهم. ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون؛ لأن الكفار مما يتقرَّب إلى الله بسبِّهم انتهى" (٢).

وتعقبه العيني: بأنا لا نسلم إشعار الترجمة بالانقسام وإنما تشعر بذلك لو كانت كلمة "ما" موصولة، فأما إذا كانت مصدرية فلا؛ بل هي على العموم (٣).

وقال القرطبي- في الكلام على حديث "وجبت"-: يحتمل أجوبة.

الأول: أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرًا به فيكون من باب: "لا غيبة لفاسق". أو كان منافقًا.

[١٢٧ ب/س]

ثانيها: يحمل النهي على ما بعد الدفن /، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه.

ثالثها: يكون النهي العام متأخرًا فيكون ناسخًا, وهذا ضعيف (٤).

وقال ابن رشيد: ما محصله أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين؛ أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم, وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة عليه, وقد يجب في بعض المواضع, وقد يكون فيه مصلحة للميت كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد؛ فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه، قال: ولأجل الغفلة عن هذا التفصيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر, وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة, وهذا الممنوع هو على معنى السب؛ بل لِقائلٍ أن يمنع أن ما كان على وجه الشهادة وقصد التحذير يسمى سبًا في اللغة, ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده (٥). والله أعلم


(١) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميت (٢/ ٩٧) (١٣٦٧).
(٢) فتح الباري (٣/ ٢٥٨).
(٣) عمدة القاري (٨/ ٢٣٠).
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٢/ ٦٠٨).
(٥) فتح الباري (٣/ ٢٥٦)