للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قميص ابن أبيِّ، فكافأه - صلى الله عليه وسلم - بذلك كيلا يكون لمنافق عليه لم يكافئه عليها (١)، وقال بعضهم: إن ذلك كان قبل نزول قوله -تعالى-: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: ٨٤] وأما قول المهلب: فعله - صلى الله عليه وسلم - رجاء أن يكون معتقدًا لبعض ما كان يظهر من الإسلام فنفعه الله بذلك، فهفوة ظاهرة، وذلك أن الإسلام لا يتبعض، حقيقة؛ فإنَّ اعتقاد بعضه شرط في البعض الآخر والإخلال ببعضه إخلال بجملته (٢)، وقد أنكر الله تعالى على من آمن بالبعض كما أنكر على من كفر بالكل بقوله -تعالى-: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} [النساء: ١٥٠] (٣).

[١٢٠ أ/س]

/فإنَّ قلت: هذا الحديث صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى قميصه ابن عبد الله بن أبي، وفي رواية للبخاري: عن جابر - رضي الله عنه -، على ما سيأتي أنه أخرج بعدما أدخل حفرته، فوضعه على ركبته، ونفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، وكان أهل عبد الله بن أبي خشوا على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المشقة في حضوره؛ فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فلما وصل ووجدهم قد دلُّوه في حفرته، أمر بإخراجه إنجاز الوعد في تكفينه في القميص والصلاة عليه، وأيضًا في رواية الواقدي: أن عبد الله بن أبي هو الذي أعطاه النَّبي - صلى الله عليه وسلم - القميص.

فالجواب أن رواية الواقدي لا تقاوم رواية البخاري (٤)، وأما التوفيق بين رواية ابن عمر ورواية جابر - رضي الله عنهم - فقيل: إن معنى قوله: في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: فأعطاه، أي: وعد له بذلك، فأطلق على الوعد اسم العطية مجاز التحقق وقوعها، وقال ابن الجوزي: يجوز أن يكون أعطاه قميصين قميصًا لكفن، ثُمَّ أخرجه فألبسه غيره، والله أعلم (٥).


(١) كشف المشكل من حديث الصحيحين، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفِي: ٥٩٧ هـ)، المحقق: علي حسين البواب، دار الوطن - الرياض (٣/ ٣٥). وعمدة القاري (٨/ ٥٤).
(٢) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٣/ ٢٦٢)، وفتح الباري (٨/ ٣٣٦).
(٣) إرشاد الساري (٢/ ٣٩١).
(٤) عمدة القاري (٨/ ٥٤).
(٥) كشف المشكل من حديث الصحيحين، (٣/ ٣٥).