للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الكرماني: فإن قلت الكذب على غيره أيضًا معصية: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (٢٣)} [الجن: ٢٣].

قلت: الكذب عليه كبيرة؛ لأنها على الصحيح ما توعد الشارع عليه بخصوصه، وهذا كذلك، بخلاف الكذب على غيره؛ فإنّه صغيرة مع أن الفرق ظاهر بين دخول النار في الجملة وبين جعل النار مسكنًا ومثوىً، سيّما وباب التفعّل يدل على المبالغة، ولفظ الأمر على الإيجاب، أو المراد بالمعصية في الآية الكبيرة أو الكفر بقرينة الخلود (١). انتهى، فليتأمل.

[٦٥ ب/ص]

فإن قيل: إن الذي يدخل عليه الكاف ينبغي أن يكون أعلى، وههنا /وليس كذلك.

فالجواب: أن معناه: أن الكذب على الغير قد ألف واستسهل خطبه، وليس الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم -، بالغًا مبلغ ذاك في الألفة والسهولة، فإذا كان دونه في السهولة فهو أشد منه في الإثم، (٢) والله أعلم.

(مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أي: فليتخذ مسكنه من النار؛ وذلك لكونه مقتضيًا شرعًا عامًا باقيًا إلى يوم القيامة.

(سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ) بضم التحتانية وفتح النون وبالجزم، على أن "من" شرطية من النوح، وأصله يناح.

وقوله: (يُعَذَّبْ) على صيغة المجهول مجزوم أيضًا، ويروي يعذب بالرفع وهو الذي في اليونينية، على تقدير: فإنه يعذب، وفي رواية الكشميهني: "من يناح عليه يعذب" فمن موصولة، وفي رواية: "من نيح عليه" بكسر النون، وقوله: "يعذب" يروي بالجزم والرفع على أن "من" شرطية أو موصولة (٣).


(١) الكواكب الدراري (٧/ ٨٧).
(٢) فتح الباري (٣/ ١٦٢).
(٣) عمدة القاري (٨/ ٨٤) وإرشاد الساري (٢/ ٤٠٥).