للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويقال: رثى له أي: رق له، وقد أطلق الجوهري الرثاء على عدِّ محاسن الميت، مع البكاء على نظم الشعر فيه (١).

فإن قيل: روى أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المراثي" (٢)، وعند ابن أبي شيبة بلفظ" نهانا أن نتراثي" (٣)، فإذا نهى عنه فكيف يفعله؟

فالجواب: أنّه ليس مراده من الترجمة ما حمل النهي عليه مما فيه تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو ما يظهر فيه تبرم، وما يفعل على الإجماع له أو ما يكثر منه، بل المراد هنا إنّما هو الإشفاق من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، من موت سعد بن خولة بمكة بعد أن هاجر منها، فكأنّه توجع عليه، وتحزّن لذلك، وهذا مثل قول القائل للحي: أنا أرثي لك مما يجري عليك، كأنّه يتحزّن له، وإنّ كثيرًا من الصحابة والعلماء يفعلونه، وقد قالت فاطمة بنت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، في مرثيته عليه الصلاة والسلام:

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدٍ. . . أَلَا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا. . . صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا (٤)

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التنيسي، (قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ): الإمام، (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): الزهري، (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ (٥)، عَنْ أَبِيهِ) سعد - رضي الله عنه -.


(١) الصحاح [رثى] (٦/ ٢٣٥٢).
(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل، بقية حديث عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣١/ ٤٨٠)، (١٩١٤٠). * سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في البكاء على الميت (١/ ٥٠٧)، (١٥٩٢)، من طريق هشام بن عمار، حدثنا سفيان، عن إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى، إسناده ضعيف لضعف إبراهيم الهجري، وأخرجه الحاكم (١/ ٥٣٩) (١٤١٢)، بهذا الإسناد، وقال: إبراهيم بن مسلم الهجري ليس بالمتروك، إلا أن الشيخين لم يحتجا به.
(٣) المصنف ابن أبي شيبة، كتاب الجنائز، في التعذيب في البكاء على الميت (٣/ ٦٢)، (١٢١٢١). ولكن بلفظ" ينهانا عن المراثي"، من طريق إبراهيم الهجري، عن ابن أبي أوفى، كما سبق.
(٤) سير أعلام النبلاء (٣/ ٤٢٦). وقال: مِمَّا يُنْسَبُ إِلَى فَاطِمَةَ وَلَا يَصِحُّ.
(٥) هو: عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع ومائة، تقريب التهذيب (ص: ٢٨٧) (٣٠٨٤).