للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الطيبي: أي: لأجل أهلها إظهار لوقوعه في الهلكة (١) (يَا وَيْلَهَا) إذ كل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى الويل: الهلاك والحزن، كأنه قال: يا حزني احضر فهذا أوانك، وأضيف / الويل إلى ضمير الغائب حملًا على المعنى، كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها، وجدها كأنها غيره، ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: " يا ويلتاه أين تذهبون بي؟ " (٢) فدل على أن ذلك من تصرف الراوي.

[١٧٧ أ/ص]

(أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟) قاله تحسرًا وتحزنًا كراهية ما يقدم إليه (يَسْمَعُ صَوْتَهَا) المنكر (كُلُّ شَىيْءٍ) ممن له عقل كالملائكة، والجن، أو من الحيوان، أو من جنس المخلوق، فإنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح وإسماع كلامه كل شيء من المخلوقات وهو على كل شيء قدير.

(إِلَاّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ) صوتها المنكر بالويل المزعج (لَصَعِقَ) لغشي عليه أو يموت من شدة هول ذلك.

قال ابن بزيزة: هو مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه، انتهى. (٣)

ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح أيضًا؛ لكونه غير مألوف، وقد روى أبو القاسم بن مندة هذا الحديث في كتاب الأهوال (٤) بلفظ: "لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء" (٥) فدل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضًا والله أعلم.

وقد استشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر: "فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعها كل شيء إلا الثقلين" ولا استشكال؛ لأنه استثنى في الأول الإنس فقط وفي الثاني الجن


(١) الكاشف عن حقائق السنن (٢/ ١٣٩١).
(٢) السنن الكبرى للبيهقي، جماع أبواب المشي بالجنازة باب الإسراع في المشي بالجنازة (٤/ ٣٢) (٦٨٤٥) من طريق ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أن أبا هريرة، وهذا إسناد حسن من أجل عبد الرحمن بن مهران، قال ابن حجر في "التقريب" (ص: ٣٥١) (٤٠١٩). مقبول من الثالثة، وروى له مسلم، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه النسائي في سننه الصغرى (٤/ ٤٠) (١٩٠٨)، بهذا الإسناد.
(٣) فتح الباري (٣/ ١٨٥).
(٤) "كتاب الْأَهْوَال وَالْإِيمَان بالسؤال" ويبدو أنه مفقود ومؤلفه ابن منده الإبن: أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق (ت ٤٧٠ هـ.)، ترجمته الأعلام للزركلي (٣/ ٣٢٧).
(٥) رواه عنه العسقلاني في فتح الباري (٣/ ١٨٥).