للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ينتقل عنه, ولا يصلح أن يقال: إنه يعني بكونه كاذبًا كونه كاذبًا في المحلوف عليه، لأنه يستوي في حقه كونه/كاذبًا أو صادقًا في المحلوف عليه إذا حلف بملة غير الإسلام؛ لأنه إنما ذمه الشرع من حيث إنه حلف بتلك الملة الباطلة معظمًا لها, نحو ما يعظم به ملة الإسلام الحق (١).

[١١٠ ب/ص]

وقوله: (مُتَعَمِّدًا) حال أيضًا من الأحوال المترادفة أو المتداخلة، قيد به؛ لأنه إذا لم يتعمده, بل سبق على لسانه ذلك, لا يترتب عليه الوعيد المذكور, وأما إذا تعمد ذلك واعتقده فهو يحكم عليه بالكفر، وأما إذا لم يعتقده مع تعمده فهو آثم مرتكب كبيرة؛ لأنه تشبه في قوله هذا بمن يعظم تلك الملة ويعتقدها، فغلظ عليه الوعيد بأن صير كواحد منهم مبالغة في الردع والزجر، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: ٥١].

وقال القرطبي: قوله: "متعمدًا" يحتمل أن يريدَ به النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة لملة الاسلام، وحينئذ يكون كافرًا حقيقة، فيبقى اللفظ على ظاهره. يعني قوله: (فَهُوَ كَمَا قَالَ) أي: فيحكم عليه بالذي نسبه لنفسه, وظاهره الحكم عليه بالكفر إذا قال هذا القول (٢).

وقال ابن بطال أي: هو كاذب لا كافر، ولا يخرج بهذا القول من الإسلام إلى الدين الذي حلف به؛ لأنه لم يقل ذلك معتقدًا له، فوجب أن يكون كاذبًا كما قال, لا كافرًا.

وليس في الحديث دلالة على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقًا لاشتراطه في الحديث أن يحلف بها كاذبًا لورود نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بغير الله نهيًا مطلقًا, فاستوى في ذلك الكاذب والصادق, وإنما معنى الكاذب هنا هو ما ذكر أنه كاذب في تعظيم الملة التي حلف بها (٣) هذا.

[٢٥٢ أ/ص]

وقيل: يحتمل أن يعلق ذلك بالكذب لما روى بريدة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من قال أنا برئ من الإسلام فإن كان كاذبًا فهو كما قال, وإن كان صادقا فليقل ندبًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله /ويستغفر الله" (٤).


(١) عمدة القاري (٨/ ١٩٠).
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١/ ٣١٢).
(٣) شرح صحيح البخارى لابن بطال (٣/ ٣٥٠ و ٣/ ١٠٣).
(٤) المستدرك على الصحيحين، كتاب الأيمان والنذور (٤/ ٣٣١) (٧٨١٨) من طريق الحسين بن واقد، ثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.