للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإن قيل: ما الحكمة في اختلاف العدد؛ حيث جاء أربعة وثلاثة واثنان؟.

فالجواب: أنه لاختلاف المعاني؛ لأن الثناء قد يكون بالسماع الفاشي على الألسنة بحيث يكون متواترًا ولا كلام فيه, والشهادة لا تكون إلا بالمعرفة بأحوال المشهود له، فيكفي في ذلك بأربعة شهداء؛ لأن ذلك أعلى ما يكون من الشهادة، وإن لم يوجد أربعة فيكتفي بثلاثة وإلا فباثنين؛ لأن ذلك أقل ما يجرئ في الشهادة على سائر الحقوق رحمة من الله لعباده المؤمنين، وتجاوزًا عنهم أجرى أمورهم في الآخرة على نمط أمورهم في الدنيا والله أعلم (١).

فإن قيل: هل يختص الثناء الذي ينفع الميت بالرجال أو يشمل النساء أيضًا؟

فإذا قلنا: إنه يشتمل النساء هل يكتفي بامرأتين أو لابد من رجل وامرأتين أو أربع نسوة؟.

[٢٥٨ أ/س]

فالجواب: أن الظاهر هو الاكتفاء باثنتين مسلمتين وأنه لا يحتاج /إلى قيام امرأتين مقام رجل واحد، وقد يقال: لا يكتفي بشهادة النساء ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بشهادة المرأة التي أثنت على عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - بقولها "فشهادتي عليك أبا السائب لقد أكرمك الله، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: وما يدريك أن الله أكرمه" (٢).

وقد يجاب عنه: بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أنكر عليها القطع بأن الله أكرمه، وذلك مغيب عنها، بخلاف الشهادة للميت بأفعاله الجميلة التي كان متلبسًا بها في الحياة الدنيا (٣).

والحديث الذي فيه قضية ابن مظعون رواه الحاكم من حديث حارثة بن زيد، أن أم العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أنهم اقتسموا للمهاجرين قرعة, فطار لنا عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي مات فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا عثمان بن مظعون رحمك الله يا أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما يدريك أن الله أكرمه فقلت: بأبي أنت يا رسول الله فمن؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأما هو فقد جاءه اليقين فوالله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا


(١) شرح صحيح البخارى لابن بطال (٣/ ٣٥٦).
(٢) صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (٢/ ٧٢).
(٣) عمدة القاري (٨/ ١٩٧).