للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَا غَوَى} [النجم: ١ - ٢]، حيث أضافهم إليه، كأنه يقول: يَنْبَغِي أن تكونوا أنتم أوَّلَ من يصدِّق؛ لِأَنَّهُ صاحبُكم، كذلك قوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير: ٢٢]، فالمهمُّ أن الإضافة هنا الغرضُ منها زيادة التوبيخ، يعني بدل أن يقول: إن قريشًا قال: إن قومي؛ للمبالغة في توبيخِهم، حيثُ إنَّ مُقْتَضَى كونِهم قومَه أن يصدِّقوا به ويَقبَلوا ما جاء به.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} متروكًا]، مأخوذ من الهَجْر، والهجر تَرْك الشَيْء رغبةً عنه، فهم اتَّخذوه مهجورًا، يعني جعلوه شيئًا مهجورًا، يعني لا يلتفتون إليه، وهذا أبلغ من قولِه: إن قومي هَجَروا القُرْآنَ، ووجهُ ذلك أن (هجروا) فعل، والجملة الفعلية لا تدلُّ على الثُّبُوتِ والاستمرار، ولكن قوله: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} جملة اسْميَّة؛ لِأَنَّ (الهاء) و (مهجورًا) أصلهما المبتدأ والخبر، فكأَنَّهُمْ جعلوا هَذَا القُرْآن الَّذِي تجب العناية به والإقبال إليه جعلوه أمرًا مهجورًا مرغوبًا عنه، كأنه ليس مستحقًّا للإقبال عليه إطلاقًا، فصيَّروه من الأمور المهجورة المتروكة الَّتِي ليس من شأنها أن يُقْبَلَ إليها، وهو أبلغ من كونهم هجروه؛ لأَنَّهُمْ قد يهجرونه وهو مستحِقّ لأن يُقْبَلَ، أمَّا إذا اتَّخذوه مهجورًا فإن اتِّخاذهم إيَّاه مهجورًا يَكُون معناه أَنَّهُمْ هَجَروه مع استحقاق أنْ يُهجَر.

وهَجْرُ القُرْآنِ ينقسِم إلى قسمينِ: هَجر لَفْظِيّ، وذلك بترك تلاوتِه رغبةً عنه، وهذا ما حذَّر منه النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في قوله: "بِئْسَمَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ سُورَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، أَوْ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ" (١)؛ لِأَنَّ نَسِيت تدل


(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب نسيان القرآن، وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا، رقم (٥٠٣٩)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها، رقم (٧٩٠).

<<  <   >  >>