للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكِن ربما يَكُون هَذَا القول موروثًا عن قريشٍ، ويقوله من يقوله بعدهم تمويهًا وتضليلًا للناس.

قوله: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}، كلمة {نُزِّلَ} وكلمة {جُمْلَةً} قد يُفهَم منهما التعارضُ؛ لِأَنَّ المعروف أَنَّهُ إذا كانت بالتشديد (نُزِّلَ) فهي لِمَا ينزل شيئًا فشيئًا، وإذا كانت (أُنْزِلَ) فهي لما نزل جملةً وَاحِدةً، وهنا قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً} وكان مُقتَضَى ما أَشرنا إليه أن يقولوا: لولا أُنزل عليه القُرْآنُ؛ فقيل: إن (أُنْزِل) و (نُزِّل) يتناوبانِ؛ فالمضعَّف يَكُون بمعنى المهموز، ونظيره من الأفعال (أَخْبرَ) و (خَبَّرَ)، فتقول: خَبَّرَني وأَخْبَرني، ومعناهما وَاحِد، وإن كون (نُزِّل) لمِا ينزل شيئًا فشيئًا و (أُنْزِل) لِمَا ينزل جملةً وَاحِدةً هَذَا ليس من مدلولِ اللفظِ بذاتِه، ولَكِنَّهُ مما يُعيِّنه السياقُ والقرائن والحالُ، وعلى هَذَا فلا فرقَ بينهما، ويَكُون المراد بـ (نُزِّلَ) هنا (أُنزل)، ولكن نابتْ عنها.

ويَحتمِل أن يَكُون قوله: {نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} أَنَّهُمْ قالوه على حكاية ما ينزل، ثم اقترحوا أن يَكُون جملةً، بمعنى أَنَّهُ نُزِّل حسب الواقع؛ فالواقع أن القُرْآن ينزل على الرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم- متفرِّقًا، فكأَنَّهُمْ قالوا: هلَّا كان تنزيله الَّذِي ينزل الآن شيئًا فشيئًا جملةً وَاحِدةً، فيَكُون التنزيل هنا باقيًا على القاعِدَة، وهو أَنَّهُ ينزل شيئًا فشيئًا، كأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذَا التنزيل الَّذِي كان صفةً للوحي الَّذِي ينزل على مُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- لولا كان هَذَا التنزيل جملةً وَاحِدةً.

فأمامنا الآن جوابان:

الجواب الأول: أن (نُزِّل) و (أُنْزِل) يتناوبان، ويُعَيِّن المعنى السياقُ والقرائنُ.

ثانيًا: أنهما لا يتناوبان، ولكل وَاحِدة منهما معنًى، لَكِنَّهُم قالوا: نُزِّل باعتبار

<<  <   >  >>