للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واقع الأمر؛ فإن الوحي كان يَنزِل على النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا فشيئًا، فكأَنَّهُمْ قالوا: لولا كان هَذَا التنزيل جملة وَاحِدةً.

هَذِهِ الشُّبهة قد تكون شبهة في بادئِ الأمرِ، يعني لماذا لم يكن الوحي النازل عليه كالوحي النازلِ على مَن قبله؟ هَذَا قد يَكُون شبهة في بادئ الأمر، ولَكِنَّهُ في الواقع ليس بشبهةٍ، بل هو حُجَّة، ولهذا أجاب اللَّه عنه بقوله: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}. قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [نزَّلناه {كَذَلِكَ} أي متفرِّقًا {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} نقوِّي قلبك {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} أي أتينا به شيئًا بعد شَيْء بتمهُّل وتُؤَدَةٍ لتيسير فَهمه وحِفظه].

قوله: {كَذَلِكَ} يَنْبَغِي أن تقفَ عند التلاوة على قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}؛ لِأَنَّهُ إلى هنا انتهى كَلام الكفارِ، ثم تبتدئ فتقول: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ}؛ لِأَنَّ هَذَا الأخير من كَلام اللَّه جَلَّ وَعَلَا، فيَجِب الفصل بينه وبين كَلام الكفار؛ لِأَنَّهُ جواب عن الشبهة.

وقوله: {كَذَلِكَ} مفعول لفعلٍ محذوفٍ، مَفْعُول مطلق، يعني أنزلناه مثل ذلك التنزيل، و (اللام) في قوله: {لِنُثَبِّتَ} للتعليل، وهي متعلقة بالفعل المحذوف، يعني أنزلناه لأجل التثبيتِ، والتثبيتُ معناه التقويةُ والإقرارُ، يعني ليست مجرد تقوية؛ لأنك تقول: ثَبَّتُّ الشَيْء بمعنى أقررته لا يَتَزَعْزَع ولا يتحرَّك، ومنه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} تميل {إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: ٧٤]، فالتثبيت بمعنى التقوية والإقرار؛ لِأَنَّهُ يقرره ويجعله مستقرًّا، فَقَلْبُ الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بهذا التنزيل يَتَقَوَّى ويثبت ويستقرّ ولا يتزعزع.

وقوله: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} كيفية التثبيت هنا من وجهينِ:

<<  <   >  >>