فَإِذَا قِيلَ: إن يُوسُفَ سابقٌ جِدًّا على موسى، ولا ندري هل أدركه فرعون أم لم يُدْرِكْه؟
فيقال: لعلَّ آثار رِسالته قد بَقِيَتْ، ولهذا خاطَبَهُم المؤمن:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ}، ولم ينكروا، ما قالوا: ما جاءنا، {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} يعني إلى الآن.
فصار عندنا الوجوه ثلاثةً؛ إما أن الماضيَ هنا بمعنى المضارعِ، واستعمالُه بمعنى المضارع كثيرٌ في اللغة العربيةِ، ولا يَحْضُرني الآن أمثلة، وربما يأتي، وإمَّا أن يَكُونَ كَذَّبُوا في علمِ اللَّهِ أي حَسَب علم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتقديره، وإما أن يَكُون بِحَسَب الرِّسَالةِ السابقةِ الَّتِي هي رسالة يُوسُف.
وقوله:{بِآيَاتِنَا} المراد بالآياتِ هنا الكونيَّة أو الشرعيَّة؟ الظاهر أنها تَشْمَل الآيات الكونية والشرعية؛ لِأَنَّ آيات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ كما هو معروفٌ آيات شرعيَّة وآيات كونيَّة، فما تَعَلَّقَ بالخَلْق والتقدير فَهُوَ آيات كونيَّة؛ لِأَنَّ في انتظامِه ودِقَّته وصُنعه ما يدلّ على حِكمة صانعِه وقُدرته، وما يتعلَّق بالوحي فَهُوَ آيات شرعيَّة؛ لِأَنَّ إصلاح هَذَا الوحي لَمِن نزل إليه على حَسَب ما شُرِعَ هَذَا من الآيات العظيمة الدالَّة على أَنَّهُ من عند اللَّه، قال تَعَالَى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢].
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} اذهبَا إليهم فدمَّرناهم؛ من المعروف أن في الآية تقديرًا، والتقدير: فذَهَبَا إليهما فكذَّبوهما فدمَّرناهم تدميرًا، وإنما يَتَعَيَّن هَذَا التقدير لِأَنَّهُ لا يمكِن التدمير بمجرَّد ذَهاب