للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّسولِ إليهم، لابدَّ من تكذيبٍ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لن يُهْلِكَ أحدًا إلا بذنبٍ.

وقوله: {تَدْمِيرًا} مصدر يُراد به التعظيم، يعني تدميرًا عظيمًا، ولا شك أنَّ التدميرَ الَّذِي وقع لفرعونَ وقومِه من أعظم التدميرِ؛ لِأَنَّ اللَّه يقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان: ٢٥ - ٢٧]، هَذَا النَّعيم العظيمُ الَّذِي كان فيه قومُ فِرعونَ إذا جاء الهلاك من بعده يَكُون وَقْع الهلاك فيهم شديدًا؛ لِأَنَّ الهَلَاكَ إذا وقع للبائسِ فَهُوَ أهونُ مِمَّا إذا وقع للناعِم، هو أَهْوَن بكثيرٍ، ولهذا وَصَفَ اللَّه هَذَا التدمير بقوله: {تَدْمِيرًا}؛ يعني عظيمًا بالغًا، وهذا التدميرُ لا يُنافي ما أَشَرْنا إليه من أنَّ اللَّه تَعَالَى أنجَى فرعونَ بِبَدَنِه، يعني لا بِرُوحِه، فإن رُوحَه هلكتْ مع مَن هلكَ، لَكِنَّهُ أنجاهُ ببدنِه ليَكُونَ آيةً لبني إسرائيلَ وعلامةً على أَنَّهُ هلك؛ لِأَنَّ الرجلَ قد أَرْعَبَهُم وأَرْهَبَهُم، فلا يَطْمَئِنُّون تمَامَ الطُّمأنينة حتى يشاهدوا جُثَّتَه ميِّتة، وبذلك يَكُون آية وعلامة على أَنَّهُ ما بَقِيَ له بقيَّة.

هل في هَذَا تعيين لمِا يَتَسَلَّى به الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟

الجواب: نعم فيه؛ لِأَنَّ فرعونَ من أعظم النَّاس عُتُوًّا وتكبُّرًا، ومعَ ذلك أهلكه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إهلاكًا بالغًا هو وقومه، فهكذا أيضًا تكون العاقبةُ للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلمَا كانت العاقبةُ لموسى وقومِه.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل قوم الرَّسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَعرِفون حكاية فرعونَ؟

فنقول: نعم يَعرِفونها؛ إمَّا من قَبل نزول القُرْآنِ أو من بعدِه؛ لأَنَّهُمْ يعرفون في أنفسِهم أن القُرْآنَ حقٌّ.

* * *

<<  <   >  >>