للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي مثل هَذَا التركيب يَتَرَجَّح النصبُ؛ لِأَنَّهُ معطوف على جملةٍ فعليَّة، وإذا عطف على جملة فعلية فالأرجح النصبُ؛ لأجل أن نقدِّر فعلًا يَكُون مناسبًا لمَا عُطِفَ عليه.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} بتكذيبهم نوحًا لِطُول لُبْثِه فيهم، فكأنَّه رُسُل، أو لِأَنَّ تَكْذِيبَه تكذيبٌ لِباقي الرسُلِ؛ لاشتراكِهِم في المجيءِ بالتَّوحِيدِ]، المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ حلَّ الآية الكريمة على وجه جوابٍ لإشكال في قوله: {لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ}، فمعلوم أن نوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو أول الرُّسُل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: ١٦٣]، وكذلك أيضًا في حديث الشفاعة: "وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ" (١)، فإذا كان أول الرُّسُل فكيف الجواب عن قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كَذَّبُوا الرُّسُلَ} معَ أَنَّهُ ما سَبَقَه رسول ولا جاء معه رسول؟

أجاب المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بوَاحِد من أمرينِ: إما أَنَّهُ لِطُول مُكْثِه في قومِه صار كأنه رُسُل كثيرون؛ لِأَنَّهُ لَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا، وهَذِهِ مدَّة تَستوعب رسلًا كثيرينَ، فكأنه لِطُول المُكْث صارَ متعدِّدًا، هَذَا وَاحِد.

الجواب الثَّاني: أو لِأَنَّ تكذيبَه تكذيبٌ لباقي الرُّسُلِ؛ لاشتراكِهِم في المجيءِ بالتَّوحِيدِ، فيَكُون هَذَا من بابِ الجنس؛ لِأَنَّ مَن كَذَّب رسولًا فكأنَّما كذَّب جميعَ الرُّسُلِ؛ لِأَنَّهُ كما أَسلَفنا أعداء الرسُل لا يُعادونهم لِشَخْصِهِم، وإنما يُعادونهم لمَا يَدْعُونَ إليه، وما جاءوا به، وهذا جِنسٌ، فيَكُون تكذيبهم لرسولٍ تكذيبًا لجميع الرُّسُل، وهذا أقرب، ولذلك مَن كذَّب رسولًا وَاحِدًا فَهُوَ مكذِّب لجميعِ الرسُلِ،


(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قول اللَّه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ} [البقرة: ٣١]، رقم (٤٤٧٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٣).

<<  <   >  >>