وبهذا نعرِف أن اليهودَ الآن مكذِّبون لمُوسى، وأن النصارى الَّذِينَ يزعُمون أَنَّهُمْ متبِّعون لعيسى مكذِّبون لعيسى؛ لأَنَّهُمْ مكذِّبون للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهم مكذِّبون حتى لأنبيائِهم.
وبهذا نعرِف أيضًا أن ما اشتهر بين النَّاسِ الآنَ من تسمية النصارى بالمسيحيِّين أَنَّهُ خطأ، وأنه لا يَنبغي أنْ نُسمِّيَهم بالمسيحيين؛ لِأَنَّ المسيحَ منهم بريءٌ، ولا يجوز أن يُنسَبوا إليه، ولا إلى دينِه، وإنما يقالُ لهم ما قال اللَّه فيهم؛ وهو النصارى، وما زال المسلمونَ في كُتُبهم يُسَمُّونهم بهذا الاسْم بالنصارى إلى أن استعمروا البلاد الإسلاميَّة وأدخلوا على المسلمينَ هَذَا التعديلَ تلطيفًا وتمويهًا؛ لِتَصْطَبغَ مِلَّتُهم بالوصف الشرعيّ وهو المسيحيَّة، ونحن نقول: نُشهِد اللَّه عَلَى أَنَّ المسيح -صلى اللَّه عليه وسلم- منهم بريءٌ، وأَنَّهُمْ كافرون به كما هم كافرون بمحمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل إنَّهم في الحقيقة كافرونَ به، لا من حيثُ العمومُ والجنسُ، بل من حيثُ التعيينُ؛ لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول عن عيسى:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف: ٦]، يخاطب بني إسرائيل فيبشِّرهم بهذا الرَّسول، وهل يمكن أن يُبَشَّرَ أحدٌ بما لا يتَّصل به؟ لا يمكن، فإذا كان يبشِّرهم برسول يأتي إلى العرب ويحاربهم ويقاتلهم هل هَذِهِ بشارة؟ أبدًا، البشارة برسول يأتي إليهم لِيُنْقِذَهم من الضلالِ، ومُحَمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا جاء إلى هَذِهِ الأُمَّة صار يحارب النصارَى، وأوجبَ اللَّهُ عليه محاربَتَهم ومحاربة اليهود، ومحاربة جميع الكفارِ، هل يمكن أن يَكُونَ عيسى مبشِّرًا للنصارى برسول يأتي من بعده اسْمه أحمد ليقاتِلَهم؟ !
لا يمكن، وبهذا نعرِف أَنَّهُمْ كَذَّبُوا عيسى على التعيينِ، لا على جنسِ الرِّسَالةِ، كما أسلفنا أولًا.