نقول: هَذِهِ البشارة موجودةٌ في أصلِ الكِتَابِ، ولا أظنها تحرّفتْ، لا بدَّ أن تكون باقيةً؛ لِأَنَّهُ مُبَشِّرٌ لهم، ولا يبشَّر إلا من تصل إليه البشارة، فالظاهر أَنَّهُ ما جَرَى عليها التحريف وأنها باقية، فقد يحرِّفون المعنى أو بعض الأمور كتموها، أو ما أشبه ذلك، ولهذا اليهود لما أرادوا ألا يطبِّقوا الحدَّ في التوراة لم يُزيلوها من التوراة، هي باقية، لكِن يحاولون أن يكتموها عن النَّاس كما هو معروف (١)، وأنا عندي أن ذلك لا بد أن يَكُون هَذَا موجودًا لم يَجْرِ عليه تحريفٌ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قال:{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ}[الصف: ٦]، ولأنه إِنَّمَا يُبَشَّرُ بالرَّسول مَن كان في وقت الرَّسول، وهذا معناه أَنَّهُ سيبقَى، وَأَمَّا قوله عَزَّ وَجَلَّ:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[الأنعام: ٢٠]، فإن هَذَا مما يؤيِّد ما قُلْنا، لكِن نفس البشارة تدلّ عليه؛ لِأَنَّ قوله:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} يؤيّد، وليس نصًّا في الموضوع، فقد يَكُون المراد أوائلهم قبل التحريف، لكِن الظاهر أن المراد الأوائل والأواخِر، كذلك وفد نَجْرَان لمَّا أَتَوُا النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والخلاصة في الكَلام على قوله:{لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} أَنَّهُ جمع، مع أَنَّهُمْ ما كذَّبوا إلا نوحًا، والجواب عن ذلك من أحد وجهين كما تقدم: إما أَنَّهُ لطول مُكْثِه كأنه رُسُل، وإما أَنَّهُمْ لمَّا كذبوا هَذَا الرَّسول مِنْ أجْلِ الرِّسَالة صاروا مكذِّبينَ لجِميع الرسُلِ.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الحدود، باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم، إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام، رقم (٦٨٤١)، ومسلم: كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزِّنى، رقم (١٦٩٩).