والثالثة: إظهار الحِكمة من هَذِهِ العقوبة وهي أَنَّهُمْ كانوا ظالمين، يعني أعدَّ لهم عذابًا أليمًا؛ لأَنَّهُمْ ظالمون.
والرابعة: التنبيه: تنبيه المخاطَب؛ لِأَنَّ تَغَيُّر السياق يُوجِب انتباهَ المخاطَب، مثل الالتفاتِ، قال تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ} [المائدة: ١٢]، ولم يَقُل: وبَعَثَ. وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٢ - ٥]، لم يقلْ: نعبد، بل قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، لكِن المراد بالمخاطَب هنا الَّذِي يَكُون في قلبه حياة، أمَّا الَّذِي يقرأ القُرْآن بدون تدبُّر فَإِنَّهُ لا يَنْتَبِهُ للإظهار في موضِع الإضمار، والالْتِفات، والتنبيه، فكله عنده وَاحِدٌ، لكِن الكَلام للذي يقرَأ بتدبُّر؛ فَإِنَّهُ لا بد أن يَنْتَبِهَ كيف تغيَّر السياقُ، وكيف عُدل عن الضمير إلى الظاهرِ.
قوله: {وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} فَعِيل بمعنى مُفْعِل، يعني مُؤْلِمًا، وعذاب جهنم -والعياذ باللَّه- أو عذاب الآخرة يَشمَل الألمَ البَدَنِيَّ والألم القلبيَّ، فالألم البدني يحصُل بنوع العذاب، والألم القلبيُّ يحصُل بما يقارن عذابهم من التوبيخ؛ لأَنَّهُمْ يوبَّخون ويُقرعون ويُقرَّرون بإتيان الرُّسُلِ، وهذا من أشدِّ ما يَكُون من العذاب القلبيّ.
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute