للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليستْ كصفَّارات الإنذار تتكرر، ولعلَّ أحدًا يدخلُ في الملاجئ، بل هي صيحةٌ وَاحِدةٌ فقطْ {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} [القمر: ٣١]، يعني مثل هَشيم الحِظَار، وهَشيم الحظار معروفٌ، يَكُون متفتِّتًا باليًا، والحِكْمَة من ذِكر هَؤُلَاءِ الرسُلِ وما جَرَى لِقَوْمِهم أمرانِ: التسليَةُ للرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، والإنذار لهَوُلَاءِ المكذِّبين له أن يُصيبَهم ما أصاب مَن قبلهم، ولهذا قال شُعَيْب لقومِه: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٩].

قوله: {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} لماذا نُصبت {وَكُلًّا}، والاسْم إذا ابتُدِئَ به يَكُون مبتدأً؟ هَذَا يسمونه باب الاشتغالِ، وفي باب الاشتغال يَكُونُ الفعل منصوبًا بالعامل بعدَه، أو بعاملٍ مقدَّر مناسِب، وهنا لا يصلُح بالعامل بعده؛ لِأَنَّ العامل بعده متعدٍّ بحرف الجرِّ، فالضمير (له) يعود على {وَكُلًّا} فالعامل اشتغل بضمير، لكِن بواسطة حرف الجرِّ، إذَن لا بد أن نقدِّر فعلًا مناسبًا، والتقدير: وأنذرنا كلًّا ضربنا له الأمثال، فَهُوَ مَفْعُول لفعلٍ محذوفٍ، وهو من باب الاشتغالِ، وإنما تَرَجَّحَ النصبُ هنا لِأَنَّهُ معطوفٌ على جملةٍ فعليةٍ، وباب الاشتغال من مرجِّحات النصبِ فيه أن يعطف على جملةٍ فعليَّة.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} في إقامة الحجَّة]، {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} يعني بَيَّنَّا له الأمثالَ، يعني الوقائع الَّتِي أوقعها اللَّه تَعَالَى بمن قبلَهم، كل أُمَّة تُنْذَرُ بمَن قبلها، ويُضرب لها المَثَل، يقال: هَذَا مَثَلُ المكذِّبين حَصَل عليهم كَيْت وكيت، فكل أُمَّة أَنْذَرَها اللَّه تمامَ الإنذارِ، بحيثُ لا يَبقَى لها حُجَّة: أُمَّة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وغيرها.

<<  <   >  >>