قَالَ المُفَسِّر: [{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أهلكنا إهلاكًا بتكذيبهم أنبياءَهم]، {وَكُلًّا} مَفْعُول مقدَّم لـ (تبَّرنا)، وليس من بابِ الاشتغالِ؛ لأنَّ باب الاشتغال يَكُون فيه العامل مشتغِلًا بضمير ما سَبَقَه، هَذَا باب الاشتغال، يعني إذا قلت:(زيدا ضربتُ) لا يَكُون من باب الاشتغال؛ لِأَنَّ العامل ما اشتغل بضميرِه، يَكُون هَذَا من باب المَفْعُول المقدَّم، لكِن إذا قلت:(زيد ضربته) صار الآن من باب الاشتغال، إن شئتَ فارفعْه على أَنَّهُ مبتدأ، والجملة بعده خبر، وإن شئتَ فانصِبْه، لكِن كما تقدَّم أن الاشتغال تَجري فيه الأحكام الخمس؛ تارَةً يَجِب النصب، وتارة يَجِب الرفع، وتارة يَترجَّح الرفع، وتارة يترجَّح النصب، وتارة يَتساوَى الأمرانِ، والأَصْل فيه الرفع، لكِن إذا كان الفعل لم يَشْتَغِلْ بالضميرِ صار السابق مَفْعُولًا، لا يَكُون من باب الاشتغالِ، فهنا {وَكُلًّا} لو قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: وكلًّا تبَّرناه تتبيرًا لصارتْ من باب الاشتغالِ؛ لِأَنَّ العامل اشتغلَ بضميرِه، لكِن قال:{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} فيَكُون من باب تَقَدُّمِ المَفْعُولِ، لا من بابِ الاشتغالِ.
قوله: [{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} أهلكنا إهلاكًا]، الإتيان بالمصدر هنا للتوكيدِ؛ كقولِه عَزَّ وَجَلَّ:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء: ١٦٤]، {تَكْلِيمًا} فَضْلَة في هَذَا السياقِ، لو قال: وكلَّم اللَّه فهِمنا الموضوع، لكِن {تَكْلِيمًا} من باب التوكيدِ، وَأَمَّا التنكير فَهُوَ للتعظيم، يعني تتبيرًا لا بقاء معه، أي هلاكًا كاملًا لا بقاء معه، وهو كذلكَ.