للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن نَحمِل الرجاءَ على الخوفِ، بل لا يَنبغِي ما دام أن معنى الرَّجاء الحقيقيّ له مَحَل، فَإِنَّهُ يَجِب أن يُحمَل على معناه الأَصْليّ، فنقول: {لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} أي لا يؤمِّلون النشور الَّذِي فيه ما وعدَتْهم به الرُّسُل من كرامةِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وإدخال الجنة، وهذا أشدُّ من عدم اعتبارهم بما رأوْا من إهلاك المكذِّبين، حيثُ ينكرون البعثَ الَّذِي دلَّ عليه العقل، فالعقلُ يدلُّ عَلَى أَنَّ للناسِ بعثًا, ولهذا يقرِّر اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذَا المعنى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦]، يعني لا يأمر ولا ينهى ولا يجازَى، هَذَا سَفَهٌ، لو كانت هَذِهِ الخَليقة الَّتِي خَلَقَها اللَّهُ وأرسلَ إليها الرُّسُلَ وأباحَ دماءَ بعضِها لبعضٍ وأموالَهم ونساءَهم لأجلِ الدين الَّذِي بُعِثَ به الرُّسُلُ، وهذا القتال العظيم بينهم والعداوة والبغضاء، لو كانت لا لشَيْءٍ إلَّا أن الإنْسَان يحيى ويموت، ماذا يَكُون هَذَا الفعل؟ يَكُون سَفَهًا يُنزَّه اللَّه عنه، ولهذا قالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: ٨٥]، ما أنزل اللَّه هَذَا القُرْآنَ إلا لمعادٍ يَكُون النَّاس يوم القيامة يرجعون إليه، ثم يُجازَون بأعمالهِم، فالعقلُ دلَّ على أَنَّهُ لا بدَّ من بعثٍ، ولا بدَّ من جزاءٍ، ومعَ ذلك هَؤُلَاءِ ينكرونه ولا يَرْجُون نُشورًا بحُجَجٍ واهيةٍ باطلةٍ، مثل قولهم: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: ٧٨]، فهَذِهِ ليست بحُجَّة، هِي شُبهةٌ في الواقع، هي شُبهة باطلةٌ، فهذا الإنكارُ مبنيُّ على استبعادِ عقلِه، لذلك أبطله اللَّه تَعَالَى كما يظهر من القصةِ من نحوِ عشَرة أوجهٍ؛ أولها: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: ٧٩]، هَذَا يكفي العاقلَ، أليست هَذِهِ العظامُ كانت ماءً مَهينًا، بل قبل ذلك لم تكنْ شيئًا مذكورًا، ثم خلقها اللَّه إلى عظامٍ، فالَّذِي أحياها أوَّلَ مرَّةٍ قادرٌ على إعادتها، وهو عقلًا أهونُ منْ الابتداءِ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: ٢٧].

<<  <   >  >>